عالية طالب
تؤشر معارض الكتب حالة المكان والزمان اللذين يظهران حقيقتهما بسطوع لا يقبل التأويل ويرحب بالمقارنة بين ما سبق وما تم تقديمه في الحاضر المؤسس للمستقبل.. ما بين معرض بغداد للكتاب ومعرض أربيل شهور قليلة ، عكست واقع العراق اليوم من جميع الجوانب .. أمنياً، اقتصادياً، اجتماعياً، معرفياً، ثقافياً، وفكرياً.. واعطتنا مساحة للبحث عن ايجابيات مكملة بعد ان شهد المعرضان اقبالاً جماهيرياً مكثفاً ولمختلف الشرائح وطوال وقت الانعقاد، بل كان يزداد كثافة كلما مرت الايام وهو يؤكد ان العراق يستعيد عافيته باسلوب حضاري يرتكز على عمق تأريخ ما استكان يوماً لواقع ازمات، مهما كان حجمها او تنوعها أو مصادرها الخارجية والداخلية.
في المعرضين عقدت جلسات ثقافية وفكرية وبحثية ، وتميز معرض أربيل بكثافة وتنوع العناوين البحثية والثقافية والادبية والفنية والسياسية والمجتمعية ، ولم يترك جانباً معرفياً لم يدخل في تناوله عبر زوايا لم يتم التطرق اليها سابقاً وبما حقق التكامل للعناوين وايضاً لتنوع الخلفيات الثقافية للمتلقين الذين لم ينتابهم السأم من البقاء لمتابعة الجلسات التي كانت تعقد كل ساعة بطريقة تسلط الضوء على اهم النقاط ولا تعاني من ظاهرة التكرار الممل ولا التناول السطحي لجوهر الفكرة المطروحة.
وحظيت حفلات توقيع الكتب باقبال واضح في اغلب اجنحة دور النشر العربية والمحلية والنقطة الجديرة بالاشادة هي عدم توزيع الكتاب مجاناً، ما حفظ حقوق المؤلف والكتاب ودور النشر ونجح في ترسيخ التقاليد المتبعة في الحالات المماثلة.
عناوين كتب واسماء ادباء ومثقفين مهمة تمت استضافتها واقيمت لها جلسات حظيت بمتابعة ملفتة من جمهور المعرض الذي كان يجيد انتقاء الكتاب والجلسة ويسهم في نجاحها من خلال الاصغاء والمناقشة والمداخلات الواعية التي تكمل جوانب النقاش البناء والهادف.
مشاركة المرأة اضفت بعداً مهماً في معرض أربيل.. باحثات واديبات ومتخصصات بالشأن الاجتماعي والفلسفي والفكري والادبي، بالاضافة الى زائرات المعرض لمختلف الاعمار يقتنين الكتب ويبحثن عن العناوين ويحرصن على متابعة النقاشات والمساهمة فيها بما يحقق جدل الافكار بين مرسل ومتلق واع يعرف جيداً لماذا تواجد في معرض الكتاب.
ما بين معرض بغداد وأربيل ونجاح الجهد الاداري والتنظيمي ومتابعة جمهور عراقي يعرف دائماً كيف يتواجد في المناطق الصحيحة، تؤشر هذه الانشطة رغبة المجتمع العراقي في التواجد في المناطق البعيدة عن الازمات والتوترات والاشتباك اللفظي والعسكري والامني، وتعيد التوازن لمجتمع ينتظر الكثير من المؤسسات الثقافية والاعلامية الرصينة وهي تعمل على اعادة الحياة الصحية لبلد قاسى الامرين من غياب مظاهر الحياة الواعية فيه ، ودفع ضرائب ارجأت مشروعه الانساني والتطور العلمي والثقافي والمعرفي دون ان تنجح في احداث فجوة معرفية فيه، وهي منطقة بقيت عصية على كل مشاريع التخلف والتراجع والاقصاء والتهميش، تحية لكل جهد يعمل ضمن منطقة الوعي المستنير التي ستدحر السلبيات اينما تواجدت.