البوستر الشعري محاولة في التأسيس

ثقافة 2019/04/13
...

 
اسماعيل ابراهيم عبد
 
 
في عام 1969 فوجئنا بوجود اوراق مكتوبة بخط انيق لقصيدة جنسيَّة وقد الصقت على ابواب صفوفنا، فَهِمنا فيما بعد أنّها لطالبة في المرحلة الثانية ـ قسم لغة عربية ـ كلية الآداب بجامعة بغداد. كانت قصيدة مقلّدة لقصيدة (ماذا اقول له لنزار قباني)، فيها بيت محتشم وحيد يقول: ((ماذا اقول له لو جاء يلثمني  ويضغط النهدَ ضغطاً لستُ أنساه)). كلنا حفظ القصيدة يومها كأنّها التعريف الأسمى للشعر في سنّي مراهقتنا آنذاك، فصارت ملصقا ترويجيا. كالبوستر أو الملصق كونه صفحة مطبوعة من الورق العادي أو الورق المقوى الذي يتم عرضه في الأماكن العامة. وتنقل معظم الملصقات رسالة بسيطة تجمع بين الكلمات والرسوم أو الصور. وقد تعلن الملصقات عن أحداث معينة من المسرحيات أو الأفلام أو المعارض الفنية.
تلجأ الدراسات الحديثة الى استثمار مفاهيم وادوات الحقول المعرفية باستعارتها بعضها لبعض، وأرى بأن استعارة آليات البوستر من كونه اعلاناً الى كونه رسماً تشكيلياً الى تصييره اعلاناً شعرياً، وفي هذا سأبتعد عن (الشعارية والاشهارية)، فأقترح تأسيس مصطلح البوستر الشعري، أقيمه على اساس ان (الاعلان الشعري عبر البوستر لن يتعدى الازاحة الشعرية المبهرة بين صورة الشعر الادبية وصورة الشعر عبر ادوات المجسدات الشعبية، وان المجسدات تقترب من المناظر الطبيعية على ما فيها من جمال وثبوت واقعية جرداء، ثم ان التجريد في البوستر الشعري تصوير لحالة جمالية في تكوينها الفكري والبصري، وكذلك يشترط في البوستر ان يكون الشعر فيه حاملاً للغة لا نشعر برتابتها او تقليديتها. وهو يتبطن بقصة تنمو بشكل سري ـ 
في المتن، تدون التغير النفسي للشاعر كون نفسيته قصيدة أنثى لا تطالها أصابع اللمس، تقع جسدانيتها بين المدينة مطلقة البهاء، والمرأة مطلقة الاشتهاء. بينما يبزغ من الجانب التجسيدي معقدان؛ الأول الصورة الشعرية على نحو فوتوغرافيا محض، أي واقعية محض: “الصورة تشكل في ذاتها بُعداً ونصاً فنياً تحفر في تصورات المتلقي بما لا يمكن تجاوزه. والحفريات الصورية تعدُّ مؤشراً ذا ضغط إعلامي موجه إلى المتلقي لمحاصرته في إطار دلالة بعينها، تتنامى في متن الخطاب الشعري بوضوح أحياناً، وفي خفاء أحياناً أخرى” ذلك ما يراه د.محمد عبدالمطلب ويقول ايضا “يبيّن ـ الاعلام ـ أثر وتداعيات الصورة الفوتوغرافية علينا، وأثر ضغطها الإعلامي على معطيات الصورة 
الأدبية. 
ان المتابع للحركة الإعلامية سيمارس قسراً مع هذه الصورة فعل التداعي، فان قيمة الصورة في حياتنا الأدبية المعاصرة تمثل قائداً خفياً لحراك الثقافة”. اما المعقد الثاني فهو الاعلان الشعري اللا اشهاري، اذ هو يتميز بعدم الغموض، وعدم المباشرة، وبساطة التركيب النحوي والبلاغي. ولان الترويج الاعلامي متعدد الخطابات لذا يلجأ عالمياً الى تصنيفه بحسب الحقل الذي يعمل فيه، فيقال اعلام شعري واعلام تشكيلي .. الخ .. واحياناً يذهب البعض الى تصنيفه الى ايديولوجيا، فهو اعلام اشتراكي واعلام رأسمالي، وقد يقسم جغرافيا فيقال اعلام غربي واعلام شرقي .. الخ .. لنا ان نقول بأن محور فعلنا للإعلام الشعري انه راشح وجداني جمالي، به وعنه نرتفع بقضية جمالية للطبيعة والبشر. وكإجراء أولي سندخل بعض عوالم بريد الفتى السومري للشاعر عدنان الفضلي، يمكننا تجريب الفعل الافقي لما نسميه البوستر الشعري وما يدعو اليه من جماليات مفتوحة فنتصل بالبوستر بعدّه صورة لواقع متخيل عبر بعض قصائد عدنان الفضلي بمجموعته الشعرية بريد الفتى السومري مثلما هو النص الآتي : [مرتبكٌ../ ليلته الأخيرة مؤجلة /عشقه الاول../ قص الوشاة أجنحته]الصورة تبلغ أبسط دلالاتها ولا تفقد صوفيتها، هي حالة خصام بين الوقت والخوف فالبوستر يتجلى في قوة التوصيل ووضوحه ومتعة قراءته وفرط واقعية مكوناته (الارتباك، والليل، والعشق، والاجنحة) لكأن الشاعر يوحي بليلة اعدام فرد مغامر او مناضل، هذا كله يتشكل بتخيل منقول من وقائع الحدث الى صورة عنه، لذا فقد أصبح التحول بديلاً عن الازاحة، والتناص بديلاً عن التعدد الدلالي، والواقع المتخيل بديلاً عن الواقع الحقيقي، فضلاً عن ان اشارات الجمل تحيل الى قضيتين هما النفاق والجريمة. وقد نؤول قص الأجنحة بقطف الأرواح، وان صح التأويل فسيصير المشهد ملصقاً (بوستراً) لتوضيح قضية تخص فتوة الشعر والعيش والحب والخطر. 
ومن جانب آخر يمكننا استثمار بعض مقاطع (بريد الفتى السومري لنؤكد على ان البوستر الشعري هو تلوين فني للتجريد البيئي الازاحي إذ انه تكوين جمالي مجرد من اللعب البياني محتفي بازاحة بيئية تخص الكائن الذي يضمر للعالم رغبة التأمل وعنف النقائض ـ 
ضد الحرب والابادة الجسدية والاذى النفسي، لنقرأ ونتأكد :
[لم يرفع عينيه.. / باتجاه الخلفيات المرتجة / لم يدفع كوعه.. / ليلامس نهداً / خبأته صاحبته خلف حديقة / لم يضاجع الجدار.. / الذي تتكأ عليه القصيدة]