النص الشعري.. مواجهة الفكر والنقد

ثقافة 2019/04/15
...

نصير الشيخ
 
 
 هل يتقدمنا النص الشعري لغة عبر مايتشكّل به كنسيج نصي مكتفٍ بدلالاته؟
أم أن ثمة معنى ما، كامنا فيه، ورؤى تغلّف جدرانه؟ من ثمّ فالنص الشعري يشكّل فرادة الشاعر وكينونته، من هنا يكون فعل الإبداع بصيغته الأدبية ترسيخا لمضامين انسانية واشكال جمالية، تقشّر اغلفة اللغة المتيبّسة واستاتيكية دوالها، ليتشكل خطابا يأخذ مكانته لدى قارئ يتفهم وعي المؤلف الناص.
للشعر طاقته التعبيرية التي تمكّنه من اختراق أزمنته على الدوام، والتي تبعث الشعور بالانتشاء بأن ثمة كلاما ومعانيا وهجسا يدهش القارئ، ويعيد اليه توازنا روحيا افتقده من صخب الحياة ويومياتها القاتلة، وهو بذلك يعني (مركزة) الوظيفة الانفعالية ودورها في بث الشعور المتنامي بمهام الكلمة وتطهيرها للذات، ومن ثم إعادة صياغة صورة مثلى لهذا العالم  وفق رؤاها.
تقودنا الدراسات الأساسية في شعر الحداثة الى ثمة خصيصات ترافق دوره التنويري ودرجة توجهه لكسر فعل المتوقع وهدم تقليديّة البناء الشعري، وتعد (اللطافة الذهنيّة) والتوازن المتحقق بين الوعي والانفعال، بين الحسّ والفكر، مثابات يقوم عليها النص الشعري في منطقته الكتابيّة في ازمنتها الحداثية، وهو الحاضر في اقتراح عوالمه بفعل التجديد المستمر على مستوى اللغة والفكر.
وتبقى اهمية الكشف عن المضامين التي يكتنزها النص الشعري، من مهمات الناقد عبر قراءة تحاول ((كشف النظام او الاضطراب الباطني الخاص بالنص والرموز والأفكار التي تنظم فكر الكاتب)) بحسب ستاروفسكي وهو من مدرسة جنيف.
ذلك ان العملية النقدية هي مواجهة من نوع اخر، تأخذ بعدها (التفاعلي) وليس (التصادمي) عبر آليات الكشف والتحليل وصولا الى غايات النص الجمالية، من هنا تنشأ وعلى وفق النظريات النقدية الحداثية عمليات تحليل نصية تضع القارئ الضمني نصب عينيها، بالاعتماد على توصيف التفاعل بين (النص والقارئ)، واستنادا الى (آيزر) فإنّ هذا التفاعل يتم من خلال المفاهيم التالية:
القارئ الضمني ــ الذخيرة الأدبية ــ الستراتيجيات الأدبية.
من هنا يكون القارئ الضمني (فاعلا ومنفعلا)، أي ان ثمة اشتباكا معرفيا بين مايبوح به النص من تشكيلات لغوية ورموز ودلالات، ومابين عدة الناقد وهي تقترح اليات التحليل والتصنيف واعادة تركيب عناصره. من هنا تصبح التراكيب النحوية في الشعر ذات طابع جمالي تأثيري الى جانب طبيعتها المعنوية والعلائقية. من هنا يكون لنا ان العملية الكتابية بمختلف وظائفها تعكس مواقف الذات وافعالها وحالاتها العقلية وتمثل في الوقت نفسه العلاقات الانسانية المتفاعلة.
ولنا أن نسأل: هل سيظل النص الشعري في لعبة مواجهة..؟ بين منتج متخم بانفعالاته ورموزه ونسيجه النص المكتمل، وبين ناقد هو قارئ ضمني بالضرورة يحاول الكشف عن انساق النص وتحديد مدياته والحفر بعيدا في سهوله الرسوبيّة للعثور على اللقى والقطع المتفرّدة بغية إضاءتها وتقديمها لوحات جمالية. هكذا يكون النص الشعري (( كلاما محكوما بقواعد تكوينية وتنظيمية، وهو اضطراري او اختياري من قبل المتكلم تأليفا والمخاطب تأويلاً)) بحسب الناقد محمد مفتاح.
ترى هل تكفي آليات تحليل النص بوصلة للناقد لتحديد مسارات كشوفاته؟، وهل للوعي هنا دور تأسيسي، وليس آليّا، ذهنيا وجافا؟. لما للضخ المعرفي الذي يمتلكه الناقد من قدرة متجددة لمعاينة النص وفق رؤاه لا باتباع (المنهج).. وهذا الوعي ربما يؤكد له دوره الخلاق في تكثيف المستوى النفسي للموقف الشعري في الصورة عن طريق خلق بنية تتداخل فيها العلاقات. من هنا تكتمل عملية التلاقح المعرفي، ويظل النص/ العمل الفني من اكثر موضوعات الأدب والتاريخ الفة بالنسبة لنا.