حوراء النداوي: لدي رغبة شديدة في سرد قصص الماضي

ثقافة 2019/04/20
...

زينب المشّاط 
كاتبة عاشت الجزء الاكبر من حياتها خارج العراق، تُعدّ من جيل الشباب إذا ما قررنا أن نحتسب الفترة الزمنية لظهورها الادبي، إلا إن قراءتنا لمادتها الادبية تؤكد أنها من جيل سبق الشباب بكثير، حيث ستُرجعنا إلى أوجاع التكرلي ومسراته، وميرامار نجيب محفوظ، واصوات فرمان التي أبهرنا بتقنياته الروائية، قد تكون روايتها الاولى “تحت سماء كوبنهاكن” تجربةً عابرة لدى بعض القراء والنقاد، إلا انها في روايتها “قسمت” أكدت أن لنضج التجربة الكتابية دورا كبيرا في طروحات الكاتب، الكاتبة والروائية حوراء النداوي في لقاء للحديث عن روايتها الأخيرة “قسمت”:
 
* لماذا اخترت الكتابة عن الكرد الفيليين في رواية “قسمت”؟ وكيف استطعت الدخول في تفاصيل حياتهم؟
 
- دائماً ما أقول إن الدافع الحقيقي للرغبة في سرد حكاية عن الكرد الفيليين ليس شخصياً، فهم جزء من الأمة العراقية، وقصصهم وتفاصيل ما حدث معهم لم تسرد كما ينبغي لأسباب عدة، من ضمنها ان الحروب والمصائب التي عانى منها الشعب العراقي تلاحقت، ما جعلنا للأسف ننسى الماضي القريب وحكاياته المؤلمة. غير أن البعد الشخصي موجودٌ على الرغم من ذلك، فأنا نصف فيلية ما سهّل عليَّ الولوج الى عوالمهم بكل أريحيّة.
 
 * عادةً ما يلجأ الكتاب الشباب الى صيغة الـ “انا” في كتابة الروايات، انتِ لجأت الى اسلوب الراوي العليم الذي يعد الأصعب بين أساليب كتابة الرواية، ثم الأصعب من ذلك هو أسلوب تعدد الأصوات، ألم تخشي أن تقعي في فخ الضياع بالتفاصيل والرواة في روايتك؟
 
- أوافقك الرأي بأن استخدام صوت “الراوي الأول” أسهل في الكتابة، فمن السهل تقمّص وجهة نظره والدخول الى أعماقه والتحدث بلسانه. أما الأصعب هو ان تقدم القصة بينما تتلاعب بكرات عدة تقذفها في الهواء في الوقت ذاته. الراوي الثالث كما أسلفت حيادي وعليه أن يبيّن الشخصيات الملهمة والمؤسسة للحدث وللعمل ككل دونما الميل الى واحدة على حساب الأخرى. مع الأخذ بعين الاعتبار الشخصيات التي حُكم عليها ان تكون أساسية أو ثانوية.أما في ما يخص تعدد الأصوات في القسم الثاني فقد وجدته ضرورياً أيضاً، لأن الحقبات الزمنية فيها اختلافات متباينة، والوقائع الاجتماعية والسياسية التي أثّرت على الشخصيات كانت متنوعة أيضاً، وهي لذلك توضح التباين الهائل الذي طال هذه الاسرة بسبب التشرذم والتهجير. 
كتابة روايات الأجيال ليست بالأمر السهل وكنت أعرف حالما بَدأت الصورة تتضح عندي أن هذه الرواية ستكون متعبة، لكنني نظمتُ كل شيء ووضعت لكل شخصية تفاصيلها في ملف خاص، ولادتها ومحل إقامتها والأحداث والانعطافات الأهم في حياتها من تهجير وغيره. هذا التنظيم ووضع الهيكلية المبدئية للعمل مهم كي لا يتيه الكاتب تماماً. 
 
هل خفت؟ 
نعم لا بدّ انني تهيّبت العمل ولذلك صبرت عليه كي ينضج. لكنني كنتُ سعيدة بمثل هذا التحدي.
 
*  الحديث عن الكرد الفيليين بهذهِ الرواية، ومع الظروف التي نمرّ بها في العراق، ألم تخشي أن يضعكِ هذا الفعل بموقع اتهام “بالطائفية و لقومية؟ كُنتِ جريئة وواضحة جداً في طرحكِ لموضوعهم وارائهم، وكما تعلمين أن القارئ يفهم الرواية دائماً على أنها جزء من حياة مؤلفها وآرائه؟
 
- بطبيعتي لا أتردد كثيراً أمام طرح آرائي، وإذا كنا قد اخترنا مثل هذه المسالك في الحياة فلا بد ان نتقبل الأفكار والآراء المخالفة والمعترضة . لدي رغبة شديدة في سرد قصص الماضي التي لم تُحكى، وتوثيقها في قالب الرواية والقصة تحديداً .  بسبب النظام السابق ومحاولاته المستميتة لتكميم الأفواه وتجيير الفنون والآداب لخدمة أيديولوجيته العنصرية فإن القرن العشرين بمجمله لم يوثَّق روائياً عندنا في العراق إلا في محاولات خجولة جداً، ما يعني ان العراق في تلك الفترة منجم لهذه القصص.  إنه كنزٌ روائي يحلم به أي كاتب.
 
* الانتقالات كثيرة في الرواية وسريعة جداً، الدخول بين الحاضر والماضي، والمحافظة على التوازن بين السرد التاريخي والزمني وبين حبكة الرواية، فلم تقع روايتك في فخ “التوثيق التاريخي” رغم انها تحدثت عن “طقوس وعادات وأحداث “ تاريخية بامتياز؟
 
- هذا أمرٌ طبيعي ولا بدَّ منه. فالتحولات والانعطافات الاجتماعية والسياسية كثيرة ومؤثرة ومن الطبيعي ان تترك آثارها على الشخصيات. ولك في شخصية “مجيد” مثالٌ على تلك المسارات المتغيرة التي شكلت شخصيته تارة، ثمّ فككتها بالكامل تارة اخرى. ولذلك  فإنّه من الضروري بل ومن الطبيعي ان تعالج الشخصية وفق هذه التحولات، إذ يستحيل أن تنالها مجرد تغييرات طفيفة فحسب، لاسيما أن شخصية “مجيد” غير مسطحة بل حية ومتعددة الأبعاد، وهي لذلك ملموسة وواقعية بسبب تحولاتها
المتكررة.