السينما الهنديَّة المعاصرة وقضايا التعليم

ثقافة 2023/06/05
...

 د. حيدر علي الاسدي

 تعد قضية التعليم واصلاحه، من القضايا التي تناولتها السينما الهندية المعاصرة، عبر رؤى مختلفة، وذلك لما للموضوع من أهمية كبيرة، على تنمية وبناء الأجيال وإصلاح المجتمع ومؤسساته، وبالتالي كانت قضايا التعليم من أهم الموضوعات، التي تناولتها السينما بزوايا متنوعة، من أجل  إبراز السلبيات في منظومة التعليم في الهند أو حتى في بعض البلدان، التي تتخذ الهياكل التنظيمية نفسها لمنظومتها التعليمية، وهي من أسمى الرسائل التي كانت مداراً لموضوعات السينما الهندية في السنوات الأخيرة.

 وسأتطرق بداية إلى أحد أروع الأفلام السينمائية الهندية المعاصرة، وهو فيلم  "الحمقى الثلاثة"، الذي ادرج ضمن قائمة افضل الأفلام السينمائية الهندية، ويحكي  قصة  ثلاثة طلبة جامعيين، يلتحقون بكلية الهندسة الملكية في العاصمة الهندية، ليكتشفوا أن كل شيء في التعليم خاضعٌ لمبدأ (التلقين والحفظ الببغائي)، فيحاول البطل (امير خان) إظهار الجانب السلبي من نمط التعليم هذا، وإبداله بالتعليم التفاعلي أي المعرفي، اذ يجب على الإنسان وفقا لرسائل الفيلم، أن يحب ما (يدرسه) وليس أن يذهب لدراسة ما تفرضه عليه عائلته، وبالتالي يكون فاشلاً في هذا التخصص، فضلاً عن انتقاده لمنظومة التعليم في الجامعات القائمة على (التلقين الببغائي)، والفرق بين هذا التعليم والتعليم التفاعلي القائم على الإنتاجية.

 والفيلم الهندي المهم الآخر بالصدد ذاته، هو "نجوم على الأرض" من تمثيل وإخراج امير خان كذلك،  الذي تناول قضية حساسة جداً لطفل يعاني من صعوبات (القراءة والكتابة)، التي تعرف بـ "متلازمة الديسليكسيا"(عسر القراءة)، الذي  يطرح قضايا التنمر على الطفل (ايشان)، والتعامل الخاطئ من معلميه في المدرسة، وكيف أسهم  معلمه الجديد (امير خان)، بزرع الثقة داخله، وانتشاله من هذا الوضع إلى وضع اكثر إيجابية، من خلال معرفة ظروفه ومعالجته بالطرق التعليمية، بل وجعله طفلا مميزاً، يعمل هذا المعلم بهمة ووعي، لتسليط الضوء على مواهب هذا الطفل ومنها موهبة الرسم، ما يؤثر إيجابا في الطفل، اذ ينجح  في جميع المواد، بعد أن كانت درجاته دون تقدير النجاح، ليس هذا حسب، انما يبهر الجميع برسوماته، وينال تكريمًا من مدرسته ويتغير كلياً.

أفلام أخرى هندية ناقشت موضوعات التعليم، أبرزها: "Paathshaala" تأليف (احمد خان) وبطولة شاهد كابور، عائشة تاكيا، علي حاجي، ونانا بيتكار، وإخراج ميلند يكي، وهو يتطرق لموضوعة الأطفال في حرم المدرسة، وأبرز الملاحظات على نظام التعليم الابتدائي الهندي والسلبيات، التي ترافق هذا النظام وكيفية التعامل مع هذه الفئة العمرية، وكذلك من الأفلام الملهمة في السينما الهندية التي تناولت موضوع التعليم،  فيلم "Super 30" للممثل الهندي هريثيك روشان، ويستند الفيلم إلى السيرة الذاتية لعالم الرياضيات أناند كومار، الذي عرف ببرنامج "سوبر 30"، الذي أطلقه في باتنا  بيهار في العام 2002، والذي  يدرب من خلاله  الطلبة الفقراء على اجتياز امتحان القبول بالمعاهد الهندية للتكنولوجيا، وهو أحد الأفلام الملهمة، التي تحث على ضرورة التعليم، لأنه الشيء الأهم الذي يمكن أن يغير حياة الفقراء إلى الأفضل، ويحقق أحلامهم وطموحاتهم بالنجاح.

 وهناك أيضا فيلم "Raatchasi " الذي يمثل قصة عن جيثا راني، المديرة الجديدة لمدرسة حكومية، تحاول ان تطبق إصلاحات جذرية في المدرسة، على مستوى الملاك التدريسي وتفكير الطلبة، وطريقة التعامل مع هذا الكيان التربوي والتعليمي المهم (المدرسة)، وتضمن الفيلم كذلك انتقادات واضحة وصريحة لجشع التعليم الخاص (الأهلي)، وفي الاتجاه ذاته عرض فيلم بعنوان  "الطبشورة والممسحة"(Chalk N Duster)، الذي  تدور قصته عن فيدا وجيوتي، اللتين تعملان مدرستان في إحدى المدارس الثانوية في مومبي، وتنجح كلتاهما ببناء علاقة إيجابية مع طلبتهما، بفضل عشقهم لمهنة التدريس، والفيلم عدَّ من الأعمال التي تحاول ان تسوق النظام التعليم الخاص في الهند، وبخاصة في ظل المتغيرات المتسارعة في الأنظمة التعليمة، والمشكلات التي يمكن تحدثها هذه المتغيرات، على المعلمين والطلبة على حد سواء.

 كما يمكننا أن نرصد أفلاما هندية أخرى، بثت رسائل عن تعزيز قيمة التعليم في المجتمع، وتسويق فكرة أهمية التعليم على شرائح الفقراء والكادحين من أبناء المجتمعات في البلدان النامية، ما يعزز رسائل السينما تجاه التركيز على القضايا، التي تسهم في بناء الانسان والمجتمع، ومنها بالتأكيد قضية التعليم، ودوره المهم في صناعة انسان ناجح، قادر على أن يكون فرداً فاعلاً في مجتمعه، حري بالسينما العربية أن تسلط الأضواء كاملة، على هكذا موضوعات وبالجودة والتأثير وحجم الإنتاج نفسه، لكي تصل الرسائل ناجعة إلى الجمهور.