العراق يُحذّر من إشعال فتيل الحرب ويسعى للسلام والتهدئة
الثانية والثالثة
2019/05/21
+A
-A
بغداد / الصباح / شيماء رشيد
وسط قرع طبول الحرب التي يرتفع صداها عالياً في المنطقة بعد تصاعد الأزمة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ تصاعدت الدعوات من مختلف القيادات السياسية والخبراء والمختصين في العراق، لتجنيب البلاد شبح وآثار الحرب المحتملة، وإبعاد العراق الذي عانى المرارات والخسارات الكبرى خلال العقود الماضية عن أي صراع قادم، وبعد أن أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي قبل أيام عن “جهود عراقية كبيرة للتهدئة بين طهران وواشنطن”، كشفت مصادر عن تفويض الكتل السياسية لرئيس الجمهورية برهم صالح القيام بجولة عربية وإقليمية خلال اليومين المقبلين لبحث التصعيد الأميركي الإيراني، رغم تصريح ناطق رسمي باسم رئاسة الجمهورية “عدم وجود وساطة رسمية عراقية حتى الآن”.
وفي الشأن نفسه، غرّد زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر محذراً من “زج العراق في الحرب المحتملة بين إيران وأميركا وجعله ساحة للصراع”، وبينما خاطب رئيس تحالف الفتح هادي العامري الشعب العراقي بقوله “لا أحد يريد الحرب فلا تكونوا ناراً لها”، أكد رئيس تحالف الإصلاح والإعمار السيد عمار الحكيم لمسؤول أميركي أن بإمكان العراق “لعب دور الوسيط لإنهاء التوتر بين طهران وواشنطن”، ووسط ذلك كله دعا سياسيون الحكومة إلى إيجاد بدائل وخطة طوارئ في الأمن والتجارة والطاقة في حال وقوع الحرب.
اجتماع رئاسة الجمهورية
وقال المتحدث باسم رئيس الجمهورية لقمان الفيلي في تصريحات نقلتها “العراقية الإخبارية”: إن “جميع القيادات السياسية الاساسية استجابت لدعوة رئيس الجمهورية برهم صالح من أجل عقد اجتماع لبحث خطورة الاوضاع والتوتر الذي تعيشه المنطقة جراء التصعيد الاخير بين الولايات المتحدة وإيران”.
وأوضح الفيلي، ان “الاجتماع ناقش سبل العمل على تقليل التوتر من خلال توحيد الخطاب الوطني والمواقف بالتنسيق بين الرئاسات والكتل السياسية ومجلس النواب والأحزاب”.
وأضاف ان “رئيس الجمهورية قدم خلال الاجتماع ورقة عمل تم التوافق بشأنها”، مشيرا الى أن “التوافق الوطني عكس أهمية التواصل بين القيادات السياسية ودول الجوار للخروج بموقف يرتقي الى مستوى التحديات القائمة بعيداً عن الاعلام”.
وكان الفيلي، صرّح لوسائل إعلام عربية، أن “الهدف من اجتماع الرئاسات والزعامات العراقية الرئيسة هو التأكيد على أهمية الحفاظ على النسيج الداخلي العراقي حيال الأحداث الخارجية وعدم تأثره بها خارج سياق المصلحة الوطنية التي يجب أن تكون هي
الأصل”.
ورداً على سؤال بشأن ما إذا كانت هناك وساطة عراقية للأزمة بين أميركا وإيران، أكد الفيلي أنه “لا توجد وساطة حتى الآن، إذ ان الطرفين الأميركي والإيراني لم يطلبا مثل هذه الوساطة”، لافتاً الى ان “هناك مسعى عراقيا باتجاه تخفيف حدة التوتر كوننا معنيين بهذا الصراع وتداعياته علينا وعلى المنطقة بشكل عام”.
حديث وساطة
النائب عن تحالف سائرون بدر الزيادي، أعلن في تصريح صحافي، أن “الكتل السياسية فوضت رئيس الجمهورية برهم صالح بإجراء زيارة لدول الجوار لإبعاد خطر الحرب في ظل التصعيد الأميركي الإيراني”، مبيناً أن “صالح سيجري زيارة رسمية لدول الجوار والخليج خلال اليومين المقبلين”، بحسب الزيادي.
وأضاف، أن “زيارات رئيس الجمهورية ستشمل دول الخليج ودولاً عربية أخرى لإجراء وساطة لإبعاد شبح الحرب عن المنطقة بعد تفويض الكتل السياسية لرئيس
الجمهورية”.
في السياق، كشف النائب عن تحالف البناء محمد البلداوي عن أبرز مضامين اجتماع مساء أمس الأول الأحد بدعوة من رئيس الجمهورية، وقال: إن “أغلب قادة الكتل السياسية لبوا الاحد دعوة رئيس الجمهورية برهم صالح حيث تم عقد اجتماع مهم بمنزل الاخير تناول عددا من المحاور الرئيسة التي تتعلق بالوضع الخطير الذي تمر به المنطقة خاصة بعد تصاعد حدة التوتر بين طهران وواشنطن”.
وأضاف البلداوي، ان “المحاور التي تمت مناقشتها هي إنهاء الملفات العالقة وبمقدمتها إنهاء ملف الوزارات الشاغرة وكذلك العمل على الحيادية وعدم الانجرار لجهة دون أخرى وعدم السماح بجعل العراق ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، فضلاً عن اتفاق المجتمعين على الاستمرار بدعم حكومة عادل عبد المهدي”.
تغريدة الصدر ولقاء الحكيم
إلى ذلك، قال زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر في تغريدة له نشرت على حسابه الرسمي في “تويتر” وتابعتها “الصباح”: “لست مع تأجيج الحرب بين إيران وأميركا، ولست مع زج العراق في هذه الحرب وجعله ساحة للصراع الايراني الأميركي”.
وأضاف، “نحن بحاجة الى وقفة جادة من كبار القوم لإبعاد العراق عن تلكم الحرب الضروس التي ستأكل الاخضر واليابس فتجعله ركاماً”، مشيرا الى “إننا بحاجة الى أن يرفع الشعب العراقي صوته منددا بالحرب وبزج العراق بالحرب”، وأكد ان “لم يقف العراق وقفة واحدة وجادة فستكون تلك الحرب نهاية العراق فيما لو دارت رحاها ولقد أعذر من أنذر”.
وتابع: “فيا هذا، لا تؤجج حربا ستكون أنت حطبها، فكلا الطرفين غير مؤهل لدخول الحرب، بل ولا يريدها”، لافتاً الى أنه “لا العراق ولا شعبه يتحمل حرباً أخرى، فنحن بحاجة للسلام والاعمار”.
وختم الصدر تغريدته بالقول: إن “أي طرف يزج العراق بالحرب ويجعله ساحة للمعركة سيكون عدواً للشعب العراقي”.
في السياق، استقبل رئيس تحالف الإصلاح والاعمار السيد عمار الحكيم في مكتبه، القائم بأعمال السفارة الأميركية في بغداد جوي هود، وأفاد بيان لمكتب الحكيم تلقته “الصباح”، بأنه “جرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية بين البلدين ومستجدات الأوضاع السياسية في العراق والمنطقة”.
وبين السيد عمار الحكيم خلال اللقاء، أن “التصعيد الأميركي الإيراني الأخير يبعث القلق لدى جميع دول المنطقة ويهدد أمنها واستقرارها”، مرحباً “ببعض التصريحات الأخيرة التي تشير إلى حرص الطرفين على تخفيف حدة الصراع”، داعياً إلى أن يكون ذلك “مقدمة للوصول إلى حلول مناسبة وتجنيب شعوب المنطقة ويلات الحروب وسياسات الحصار”، مؤكداً أن “للعراق علاقات وثيقة مع الطرفين تمكنه من أن يؤدي دور الوسيط لتقريب وجهات النظر وإنهاء حالة التوتر”.
وأشار الحكيم الى، أن “أمن البعثات الدبلوماسية في العراق من مسؤولية الدولة العراقية؛ وفي المقابل فإن على هذه البعثات أن ترسل رسائل إيجابية عن الوضع السياسي والأمني في العراق بعد أن وصل إلى مراحل متقدمة تزول أمامها كل الأسباب الموجبة لمغادرة موظفي أو رعايا هذه البعثات للأرض العراقية”.
تحذيران من العامري والأعرجي
بدوره، قال رئيس تحالف الفتح هادي العامري في بيان تلقته “الصباح”: إن “المسؤولية الوطنية والدينية والتاريخية تحتم على الجميع إبعاد شبح الحرب عن العراق أولاً وعن كل المنطقة ثانياً، لأن الحرب إذا اشتعلت لا سمح الله فسوف تحرق الجميع”.
وأضاف العامري، أن “كل من يحاول إشعال فتيل الحرب انطلاقاً من العراق إما جاهل أو مدسوس، لأن كل الأطراف لا تريد الحرب، فلا الجمهورية الاسلامية تريد الحرب ولا الولايات المتحدة تريد الحرب، والذي يدفع الى الحرب فقط الكيان الصهيوني، لذا نهيب بكل العراقيين ألا يكونوا ناراً لهذه الحرب”.
نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي، أصدر بياناً تلقته “الصباح”، قال فيه: إن “التصعيد الأميركيّ الإيرانيّ قد وصل إلى مراحل مُتقدمة وأصبحنا كاننا نعيش حالة حربٍ سيشتعل فتيلها عاجلاً أم آجلاً”.
وأضاف، ان “بعض دول المنطقة وخاصةً الكيان الاسرائيلي تدفع لحصول الحرب في محاولةٍ منها لإضعاف دور الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة في المنطقة”، مبيناً أنه “لم يكن للعراق للأسف الشديد موقف رسمي واضح رغم أنه أكبر المتضررين من نيران الحرب وتبعاتها وعلى جميع الأصعدة، وذلك بسبب تفاوت مواقف الأحزاب والكتل السياسيّة”.
وأشار الاعرجي الى أن “على الجميع رفض هذه الحرب والوقوف مع الحكومة من أجل تكوين موقفٍ رسميٍّ رافضٍ للحرب، وتخويلها للعب الدور الكافي لتفادي وقوعها”، موضحاً أن “لدينا من المُشتركات مع الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة ونقاط الالتقاء، أكثر مما لدينا من الخلاف، كما إن على الجميع ألا ينسى موقفها مع العراق في محنته بالحرب على داعش”.
كما تناول نواب وسياسيون خلال اجتماع لتحالف القرار في منزل رئيسه نائب رئيس الجمهورية السابق أسامة النجيفي، تطورات الصراع الأميركي – الإيراني، وجاء في بيان للتحالف تلقته “الصباح”، أن المجتمعين دعوا إلى “تفعيل الجهود على المستوى الدولي لحل الصراع الأميركي الايراني بالطرق السلمية بعيداً عن التهديدات، وبما يضمن إبعاد شعوب المنطقة عن ويلات الحروب”.
موانئ العراق
من جانبه، قال عضو لجنة الخدمات النيابية كاظم فنجان في مؤتمر صحافي عقده أمس الاثنين في مجلس النواب: “تتعالى في هذه الايام طبول الحرب في الخليج وترتفع وتيرتها في السواحل، فقد احتشدت الاساطيل، وانتشرت السفن الحربية حتى وصلت مضيق باب المندب وهرمز”، مبينا أن “الحرب إن وقعت لن تخلف وراءها سوى الرماد وتهدد أمن الموانئ وفي مقدمتها الموانئ العراقية”.
ودعا فنجان، “وزارة التجارة والتخطيط الى ضرورة الاسراع عن البدائل المتاحة”، مناشداً “هيئة المنافذ الحدودية باتخاذ الاجراءات الاحتياطية لضمان تدفق البضائع المستوردة والمصدرة”، مشيراً الى أن “دول المنطقة تدبرت أمورها منذ الآن واتخذت إجراءات استباقية تحسباً لأي طارئ وحددت مساراتها البديلة”، وطالب فنجان بـ”إيجاد بدائل لنقل بضائعنا بالتنسيق مع دول الجوار”، لافتاً الى أن “على الجهات المعنية دراسة الاحتمالات التي تحملها الظروف الطارئة”.
بدائل وطوارئ
في السياق نفسه، أكد عضو مجلس النواب مضر الجنابي، أن “الحكومة يقع على عاتقها الاخذ بنظر الاعتبار جميع المخرجات التي يمكن أن تحدث من صراعات كبيرة وغلق للحدود، لذلك فإن جميع التفويضات مكفولة للحكومة الاتحادية بأخذ جميع الاحتياطات”.
وقال الجنابي لـ “الصباح”: إن “موقف الحكومة في إبعاد العراق عن جميع المشاكل التي تحدث في المنطقة أمر جيد؛ ويجب أن تكون مصلحة العراق أولاً”، وأضاف، “يجب أن يكون هنالك عمل دبلوماسي نحو الدول التي يمكن أن يؤثر فيها العراق من أجل تذويب الخلافات وفي الوقت نفسه يجب أن يكون العراق بعيداً عن هذه الصراعات”.
الى ذلك، بين عضو مجلس النواب صباح العكيلي في تصريح لـ”الصباح”، ان “الحكومة مسؤولة عن إيجاد جميع البدائل لسد الفراغ الذي سيحدث إذا ما حدث صراع عسكري أميركي إيراني”، وأضاف، ان “إيران دولة مجاورة ويمكن أن تستمر الاستثمارات معها، ولكن مع هذا يجب أن تكون هنالك بدائل من داخل البلد وهي مشكلة لم نجد لها حلاً الى الآن”.
من جانبه، أشار عضو مجلس النواب حسن فدعم الجنابي الى أن “دور العراق مهم وأساسي في المنطقة بحكم موقعه الجغرافي وعلاقاته المتميزة مع دول الجوار ودول المنطقة والذي قد يمكنه من لعب دور مميز في تخفيف الازمة”.
وقال الجنابي لـ”الصباح”: إن “العراق ليست لديه مصلحة في أي نزاع يحدث بين الولايات المتحدة وايران، ولا يمكن للعراق أن يكون في موقف حيادي فيما إذا تطور النزاع وتحول الى مواجهة، كون العراق لديه علاقات متميزة مع ايران ولديه حدود وعلاقات عقائدية وهنالك تبادل تجاري يصل إلى 20 مليار دولار واستيراد للطاقة، لذلك فإن مصالحنا مع إيران أكبر منها مع أميركا”، معربا عن أمله أن “يلعب العراق دور الوساطة وأن تكون أرض العراق صالحة لحل النزاع وليست للصراع”.
مهودر وطبول الحرب
على صعيد متصل، كتب الإعلامي والكاتب عبد الهادي مهودر مقالاً نشرته وكالة الأنباء العراقية “واع” تحت عنوان “طبول الحرب الأخيرة”، وجاء في خاتمته: أنه “سواء وقعت الحرب أو لم تقع، فالعراق بعد كل تلك التجارب الخاسرة والمريرة التي وقعت جميعها على أرضه يقف وحيدا في مرحلة مراجعة لشريط الذكريات القاسية واختبار للذكاء هذه المرة محتاجا الى أكثر من أي دولة اخرى الى عهود سلام طويلة، فحرب أخرى هي الضربة القاضية والأخيرة على انفاس هذا البلد، ومن العقل أن نفكر مثلهم لمرة واحدة ونبعد شر الحرب عن أرضنا بأية وسيلة من الوسائل، وأسلمها أن نكون ساحة حل لا ساحة حرب في هذه المنطقة التي لا تقترح الحلول ولا تحب الحلول، وتتوالد فيها الحروب بشكل ليس له نظير، وفي هذه المنطقة التي تقرع فيها طبول الحرب وكأنها طبول فرح لأنها المنطقة الارخص بسعر الانسان، والمنطقة التي يعتقد فيها المحاربون القدامى والجدد انهم سيقطفون وحدهم ثمار الحرب فيما بعد، وليس للوطن بعد الحروب (فيما بعد) غير الرماد؟!”.