عباس الصباغ
من نافلة القول إن أي اقتصاد يخلو أو تنعدم فيه الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص يبقى اقتصادا كسيحا، لا سيما اذا كان ريعيا ولم تتمّ فيه تنويع وتعظيم الإيرادات المالية المتأتية عن بقية القطاعات الاقتصادية المساندة للريع، مع استنزاف أكثر بنود الموازنات العامة لغرض الميزانيات التشغيلية فتنحسر ـ كتحصيل حاصل ـ بوادر تقديم الخدمات العامة وتقلّ نسبة رفاهية شرائح كثيرة من الشعب،
وهذا الاقتصاد سيعاني آجلا أم عاجلا من ضمور بوادر التنمية المستدامة، لذا لامناص للاقتصاد العراقي من التوجّه المستدام نحو الشراكة الاستراتيجية إلى القطاع الخاص، لتتوازن كفتا التوجه الاقتصادي بين العام والخاص وعدم الاقتصار على العام فقط وبدون هذا التوجه يجب التحول التدريجي نحو اقتصاد السوق لامحالة، شئنا أم أبينا، للتخلص من مركزية تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية (الاشتراكية)، وصولا إلى تنويع الموارد وتعظيمها كي تدخل في التمويل العام للموازنات المالية للدولة وزيادة معدلات الدخل القومي، لتحقيق أبسط معدلات الرفاهية للمواطن العراقي والتي حُرم منها على طول تاريخه المنظور خاصة للشرائح المحرومة.
وبلا شك لا يوجد تعافٍ لأي اقتصاد مهما بلغت درجة تقدمه من دون مشاركة القطاع الخاص، وبالرغم من الجهود الحكومية الحثيثة لتنشيط القطاع الخاص، الذي يعدّ الظهير القوي للقطاع العام، إلا أن المزاج الشعبي العام بقي متوجها نحو القطاع الحكومي (العام) نابذا القطاع الخاص، باعتبار خاطئ أن القطاع العام هو أكثر أمانا وأقل تكلفة وأكثر ربحية، ولعدم وجود قناعة شعبية أساسا بهذا القطاع الذي أهمِل منذ التغيير النيساني وحتى الآن، بدليل أن اغلب الخريجين يتوقون إلى ايجاد اية فرصة عمل مهما كانت بسيطة في القطاع العام، وبهذا ما زال الاقتصاد العراقي يعاني من جملة اختلالات بنيوية كثيرة منها هو اقتصاد ريعي مزمن، وذو نشاط صناعي/ زراعي/ استثماري متعثر، وستحدث الكارثة إن استمر الحال مع هذه الاختلالات، وتأتي الريعية على رأسها وهي أم المصائب خاصة عند التحول التدريجي العالمي نحو الطاقة النظيفة ونبذ الوقود الاحفوري، ولا مناص اذن من تطوير الصناعة فهي مسؤولية مشتركة بين الدولة والقطاع الخاص، لكن كل منهما دور معين يجب أن يلعبه لضمان التنمية الصناعية المستدامة فتقوم الدولة بدور محوري للتدخل (حسب الحاجة وليس بصور مركزية كالتوجه الاشتراكي) وتحفيز النمو الصناعي، مثلا تشجيع الاستثمار في قطاعات صناعية متنوعة مثل الصناعات التحويلية، البتروكيمياويات، والصناعات الزراعية، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتوجيه جزء من عائدات النفط لتحفيز القطاعات الصناعية عبر الاستثمار في البنية التحتية الصناعية، (اي جزء من الصندوق السيادي إن وجد) وتمويل المشاريع اضافة إلى جذب استثمارات دولية مع تقديم تسهيلات وامتيازات من أجل نقل التكنولوجيا، وذلك كون النمو الصناعي في البلدان التي تعتمد على اقتصاد أحادي يتطلب جهودًا مشتركة بين الدولة والقطاع الخاص كالعراق، حيث تلعب الدولة الدور الريادي في خلق البيئة المناسبة والتوجهات الاستراتيجية، بينما ينخرط القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع والاستثمار والابتكار.
ولا بد من التحول التدريجي إلى اقتصاد السوق كحل متأخر لذلك وعماد هذا الحل تنشيط القطاع الخاص بابسط صوره، وبعد أن تسيّد القطاع العام مع مركزية شديدة من قبل الدولة للفعاليات الاقتصادية عموما، وانزواء القطاع الخاص تحت الهامش ورغم توجّه الاقتصاد العراقي نحو الاشتراكية لعقود طويلة من الزمن، واستحواذ القطاع العام على حصة الأسد من الاهتمام، إلا أن القطاع الخاص بالرغم من هامشيته لم يُلغَ دورُه تماما وكانت الزراعة والصناعة العراقية بجميع اشكالها، فضلا عن السياحة محل فخر الجميع ولكن بصورة خجولة كأنه غير موجود، وكان يفترض برمجة الاقتصاد العراقي في التحول التدريجي إلى اقتصاد السوق لأنه هو المفتاح نحو تنشيط القطاع الخاص، وهذا ماغفل عنه مهندسو الاقتصاد العراقي منذ خمسينيات القرن المنصرم منذ ان دخل النفط في المعادلات الاقتصادية بشكل عام.