عام 2025.. انزلاق العالم من أيدي أمريكا

آراء 2024/07/02
...

يحيى القيسي

 متوهم جدا من يظن أن الأمريكان ينصتون لصوت الإنسانية، فمنذ فرض الحصار على العراق عام 1990 وما تلاه من احتلال وفتح باب الصراعات على منطقة الشرق الأوسط وموت ملايين البشر بسبب كذبة اسمها الديمقراطية، لم تأبه إدارة البيت الأبيض لكل هذا العبث والاستهتار بأرواح الناس؛ لأن عنجهية الأمريكي متأصلة في جيناته التي ورثها من أسلافه، فراعي البقر” الأمريكي لا يعترف بالأحجام الصغيرة
فالأكل المقدم في المطاعم يأتيك في صحون ضخمة، وبكميات هائلة، والعربات المتنقلة على طرقه أغلبها كبيرة الحجم، ورباعية الدفع؛ حتى أن حجم البشر ضخم، فلا مجال للحديث عن قامات قصيرة، وأشياء صغيرة وغالبا ما تصادفك لوحات إشهارية مكتوب عليها: “العب كبيرا، أو امكث في بيتك”.
فهو براغماتية بامتياز لا يهمه الطريقة التي يكسب من خلالها سواء كانت أخلاقية أو غير أخلاقية وإنسانية أو غير إنسانية.
فهو لا يشعر بأي نقص تجاه نظيره (الفرد السوي) القاطن في المكان الآخر من العالم، بالعكس يفتخر في فرض سطوته وسيطرته ويعتبرها صفات متجذرة وأسلوبا لا يمكن التخلي عنه، فإما أن تكون كابوي الطبع مع العالم أو لا تكون، وحتى في أرقى المحال التجارية يتم استعمال “كاو بوي” للإشارة إلى إنه مكان خاص بالرجال و{كاو غورل} تعني أن المكان مخصص للنساء، فهو معيار خاص للأمريكان، لكنهم شعروا بالذعر عندما تراجع الدولار أمام العملات الأخرى، بسبب ارتفاع معدل التضخم بشكل كبير، فقد سعى البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى زيادة سعر الفائدة إلى 5.50 على الأموال الفيدرالية.
وهذا يقلل من حجم الأموال التي يتعين على البنوك إقراضها مما يؤدي إلى إبطاء اقتراض المستهلك وبالتالي إبطاء الطلب؛ وهذا بسبب دعمهم لأوكرانيا في حربها مع روسيا، فبدأت قوة الهيمنة الأمريكية تفقد الاهتمام بأوكرانيا، فربما هي القشة التي تقصم ظهر البعير لاحقا، غالبا أن أمريكا تستفيد من تدخلها في العراق و أفغانستان و غزة ودول أخرى، لكن لا تجني أي شيء من تدخلها بدولة أوربية سوى الضغط على روسيا التي لا تتأثر كثيرا، الحروب بالوكالة هي محرقة للأموال تأكل قوت الشعوب و تهدد رفاهيته وخاصة عندما تكون الحرب على أرض دولة أوربية قد لا تسمح لأمريكا باستغلال مواردها الطبيعية كما فعلت مع دول
أخرى.
وسط هذه المغامرات العبثية التي تقودها أمريكا وفقدان جزء من قيمة الدولار لم تعد أمريكا تملك القدرة اللوجستية أو الاستقرار الداخلي الكافي لفرض النظام والانضباط العالمي، حيث يقول مارك توين «التاريخ قد لا يعيد نفسه ولكنه يتشابه كثيرا”.
 فبريطانيا العظمى ليست بعيدة فقد استعمرت الكثير من الأراضي البعيدة عن لندن؛ حتى سُميت المملكة التي لا تغيب عنها الشمس والسبب الرئيس الذي أوقفها هو تراجع اقتصادها بسبب حملاتها العسكرية الكثيرة ومعاداتها الدائمة لشعوب كثيرة.
 إن تداعيات حرب غزة قد رمت ظلالها على المجتمع الأمريكي وتحذير بايدن للحكومة الإسرائيلية واضح عندما قال “ لن نزود إسرائيل بمزيد من السلاح لأنها أفرطت بالعنف في غزة، لكن هذا ليس السبب الرئيس، بل لأن إسرائيل خرجت من سيطرة حليفتها أمريكا عندما طالبتها بالتوقف عن حرق الأرض والزرع والبشر في فلسطين ولا سيما إنها تتبنى المواقف الإنسانية المزعومة وقد تُحرج أمام العالم أجمع، لكن اليميني المتطرف نتنياهو ومن معه يرفض الانصياع، وبدأ يتحدى أمريكا وواصل حربه عندما تيقن أن أمريكا بدأت تفقد السيطرة على زمام الأمور اقتصاديا أمام بوتين العنيد!، ولا يخفى على الجميع أن أكثر من نصف العالم قد تعاطف مع غزة ورفض كل الجرائم المروعة، وهذا كله يغضب الإدارة الأمريكية، وهي تعمل جاهدة للبحث عن تسوية سريعة جدا للحرب في غزة وللصراع الفلسطيني الإسرائيلي، غزة سوف تنتصر ليس بالمقاومة فقط، بل بتعاطف العالم و بالاختلال الواضح للإمبراطورية الأمريكية، وبالحدث المهم الذي ولد من داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تظاهرات طلاب الجامعات الأمريكية، الذي لا يمكن تجاهله، حيث بدأت هذه الاحتجاجات خلال أواخر ستينيات القرن الماضي وما تلتها من سنوات، واعتصم طلاب الجامعات الأميركية، في أكثر من مرة ومناسبة، داخل الحرم الجامعي أو خرجوا إلى الشوارع رافعين شعارات الاحتجاج والغضب، رفضا لقضايا مختلفة، مثل حرب فيتنام ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو للمطالبة بحقوق أخرى، مثل حركة الحقوق المدنية التي ساهمت بإنهاء التمييز ضد الأميركيين من أصل أفريقي، وفي أحيان أخرى حملوا مطالبات التغيير في قضايا ترتبط بسياسات جامعاتهم ونظامها التعليمي.
ويقول تاريخ هذه التظاهرات أن طلاب الجامعات الأمريكية لم يتظاهروا على شيء إلا وحصلوا عليه.
نعم العالم بدأ ينزلق من بين أيدي أمريكا، ولم تستطع فعل أي شيء سوى السكوت والقبول بالأمر الواقع، هذا سوف يحدث في عام 2025 تدريجيا.
حيث لم تعد روسيا تبدي أي ميول للسلام في حربها مع أوكرانيا إلا إذا حصلت على تنازلات واسعة داخل الأراضي الأوكرانية، ولأن الشعب الروسي نفسيا يختلف عن باقي شعوب أوربا في اعتياده على الأزمات وكذلك بسبب ايدلوجية الروس التي تبرر السلوك الشخصي تجاه تحمل الحروب والظروف الصعبة، كل هذا في كفة وآثار وباء كورونا في كفة أخرى، فقد أدت آثار هذه الجائحة إلى تغيرات هائلة في جميع مناحي الحياة، وقاد ذلك إلى تحول رقمي متسارع تركت آثارها في مختلف القطاعات الاقتصادية، وأنشأت الجائحة عادات اجتماعية جديدة بسبب التحول الجذري في أساليب الحياة والعمل حتى لم يعد من الممكن العودة إلى نمط الحياة الذي كان سائدا قبل الجائحة، فقد أصبح مفهوم الحياة نفسه مختلفا، نعم ربما الآن نرى الحياة طبيعية بعد كورونا لكنها رقمية في كل شيء.
 وأي اضطراب في معيار هذه الأرقام قد يدق ناقوس الخطر.
إن معارك غزة وأفغانستان والعراق قد ألزمت الخزينة الأمريكية اكثر من 6 تريليونات دولار، لكن تأثير الحرب الأوكرانية الروسية الأكثر تأثيرا، عندما يكون هناك خلل في حماية الحكومة والبرلمان للدولة و المواطنين عبر سياسات فرض السلطة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية فأكيد يحدث تهديد للأمن القومي الأمريكي؛ لذلك سوف تكون الإدارة الأمريكية القادمة حمائم لمدى بعيد، وسوف تنسحب أمريكا بهدوء من كل الصراعات التي صنعتها في كل مكان في العالم إلا صراعات بسيطة جدا تحفظ لها ماء الوجه، إن سلوك الإدارة الأمريكية سوف يتغير كثيرا، وأسلوبها الجديد مع العالم سوف يضفي عليها النعومة والعطف والاهتمام وكل صفات العمة الحنونة!.