حسن الكعبي
الإعلام والصحافة وفضاءات الميديا تشكل الثقافة المهيمنة في إدارة الوعي الشعبي بوصفها الثقافة اليومية المستهلكة من قبل هذا الوعي، وهي الأقرب في ملامسة إشكاليته، والصحافة أو الإعلام أو فضاءات الميديا التي تعي أهميتها في التأثير وإدارة الوعي الشعبي، لا بدَّ أن تستثمر هذا التأثير في تأكيد المفاهيم الإنسانية وتكريسها في سياقات المجتمع، وهنالك صحف تسعى إلى تأكيد المفاهيم الإنسانية المتضمنة لقيم المحبة والسلام، انطلاقا من إدراكها – أي الصحف - لدورها في صناعة السلام والمحبة بالتزامن مع انتشار مفاهيم الكراهية، التي تسعى إلى صناعتها الكثير من الأيديولوجيات التي تتغذى على هذه الكراهية وعلى تعميم صيغها الاصطراعية التي تستدعي جهدا إنسانيا كبيرا يقف في طريق امتدادها.
في هذا السياق اضطلعت عدد من الصحف العراقية بهذا الدور وهذا الجهد المهم في التضاد مع مفاهيم الكراهية وفضح بطانتها الأيديولوجية، عبر صفحاتها التي تعاطت مع أهم المفاهيم الإنسانية القادرة على صناعة بيئة مهمة في اشاعة المحبة والسلام، وهو امر ليس بالهين بإزاء شيوع مفاهيم الكراهية واستيطانها في مناطق كثيرة بفعل قدرة الأيديولوجيات الكبرى التي تسعى إلى تمكين هذه المفاهيم من الهيمنة.
لكن هذه الصفحات ونتاج جهود إدارتها الواعية في ملامسة إشكالية الكراهيات وصيغها الاصطراعية، وطرح بدائل المحبة وعلى أكثر من صعيد، استطاعت أي الصفحات أن تنجح في هذه المهمة وأن تنبه على ضرورة التعاطي مع مفاهيم المحبة والسلام، لتكون متاريس دفاعية بإزاء امتداد المفاهيم العدوانية بتضميناتها الكالحة، ليس ذلك وحسب بل إن الصفحات ونتاج لأطروحاتها الجادة في التعاطي مع هذه المفاهيم الجوهرية في حياة المجتمع وسيرورته، وفق مناخات وبيئة تضمن له الأمن والسلام، فقد استطاعت أن تستقطب أسماء ثقافية مهمة في الكتابة عن ثقافة المحبة ومفاهيم السلام وضرورة توطينهما كمفاهيم أساسية في تشكيل هوية كونية وفق المشتركات الإنسانية التي تشترط المحبة أساسا لها.
بمعنى أنها نجحت في مقاربة إشكالية الكراهيات وطرحت بدائل مترشحة عن ثقافة المحبة، كما نجحت في تلمس ثقافة المحبة عبر اكثر من نمط ثقافي وطرحه وإشاعته، ولم تنحُ منحى أحاديا يقونن الصفحات ويمنحها قالبا تخصيصا جامدا، بل إنها وهذا يرجع إلى إدارتها الناجحة جعلت من المحبة وثقافتها الأساس في كل ما يكتب، ولذلك فهي استوعبت الكتابة الفكرية والفنية والأدبية والسياسية والاقتصادية، وهذا التنوع ضمن للصحف العراقية التي تعاطت مع هذه المفاهيم المقبولية والإقبال من مختلف الشرائح وباختلاف مشاربها واهتماماتها الثقافية، وهذه خاصية – أي خاصية التنوع ضمن الصفحات - يجب أن تأخذها الصحافة العراقية بعين الاعتبار، وهذا لا يعني أن تتنكر الصحف إلى خصوصيتها وتخصصها إنما نقصد استيعاب التنوع المرن في فنون الكتابة دون التخلي عن رسالة الصحيفة، بل تأكيد هذه الرسالة عبر تكريس ثقافة المحبة والسلام ونبذ الكراهيات والتعصب المقيت.