النموذج الثقافي الرائد

آراء 2024/07/03
...

 علي حسين عبيد


يتطلع العراقيون إلى النموذج الذي يدلّهم على السبل الصحيحة، ويبحثون على مدار اليوم عن الشخص المعلم، أو المنظمة النموذجية، أو المؤسسة الإيثارية، لكي يجدوا في هذه المسميات نموذجا يساعدهم على اكتشاف المسالك الصحيحة، التي تقودهم إلى آمالهم وأحلامهم وأهدافهم البسيطة والمشروعة. نادرا ما نجد شابا عراقيا لا يتطلع إلى الفرصة التي تجعل منه إنسانا ناجحا يصل إلى المكان المنتِج الصحيح، ونحن نقرأ هذه الرغبة الواضحة في وجوه جميع الشباب العراقيين، ليس المثقفين وحدهم، ولا المتعلمين العارفين المطلعين ثقافيا وفكريا وحياتيا، بل حتى الشباب البسطاء تقرأ في عيونهم المتلهّفة هذه الرغبة في العثور على الفرصة، التي ترفعهم من حضيض (البطالة) إلى قمة (تحقيق الذات). هذه القضايا والأهداف تحتاج إلى نموذج يجسدها ويدل الشباب وغيرهم عليها، ولا بد أن يتصدر ذلك النموذج المثقف الواعي لمسؤوليته اليوم، فالناس جميعا في العراق يعيشون إرهاصات التحول الهائل والصادم في حياتهم، التي تواجه سيول التغيير الجارفة، إنهم واجهوا على حين غرة التطور التكنولوجي المفاجئ والكبير، وانفتحت لهم أبواب العالم، وثقافات المجتمعات كلها، وأصبحت أمامهم عوالم من الصعب تصديق ما يحدث فيها، كما أن الهجمة الصناعية المادية المتلاحقة، لم تعط للعراقيين فرصة للتأمل والفرز بين الصالح والطالح.

لقد امتلأت أسواقنا بالسلع المادية العجيبة الغريبة، ومعظمها كمالية كالسيارات الفارهة التي بلغ أسعار بعضها (50 شدّة، خمسمئة ألف دولار أمريكي)، ولم يتوقف الأمر عند السيارات، والماركات المسجلة للملابس ووسائل النقل المختلفة والأطعمة والأغذية المعلبة وأشياء مصنعة ما أنزل الله بها من سلطان.

هذه الهجمة المادية أفقدت العراقيين رشدهم، ولم يعد أحدهم قادرا على الفرز بين الجيد والرديء وتداخلت الأشياء أمام أبصارهم وبصائرهم، ولهذا أصبحوا بحاجة ماسة لمن يرشدهم ويدلهم على الصواب قبل سواه، ومن الذي يتصدى لهذه المهمة غير الإنسان المثقف؟، أليس هذه مهمة الناس الواعين العارفين المتنورين؟

ثم هؤلاء الشباب ألا يستحقون الوقوف معهم وإرشادهم على السبل التي تحقق لهم بعض أهدافهم ومشاريعهم، وصولا إلى الحياة الكريمة التي يستحقونها، هل النموذج الثقافي الواعي موجود في واقع العراقيين، وإذا كنا نراه هنا أو هناك، يوجد سؤال آخر لابد من طرحه وهو، هل هؤلاء المثقفون يقومون بدورهم الإرشادي للناس عموما وللشباب على وجه الخصوص؟