محمد صالح صدقيان
الانتخابات الرئاسية الإيرانية رُحلت إلی جولة ثانية تجری يوم غد الجمعة بعد أن أخفق المرشحون الاربعة من الحصول علی الأغلبية المطلقة، التي تؤهلهم للفوز بهذه الانتخابات. وينص القانون علی صعود اثنين من المرشحين، اللذين حصلا علی اعلی الاصوات، حيث حصل المرشح الاصلاحي علی 42 بالمئة من الأصوات، فيما حصل المرشح الأصولي المحافظ سعيد جليلي علی 38 بالمئة من الأصوات
لتكون المنافسة بين المرشحيين في الجولة الثانية يوم غد الجمعة ؛ ومن يفوز بأعلی الاصوات سيكون الفائز بكرسي الرئاسة الإيرانية.
اللافت الذي كان في انتخابات الجولة الاولی هو استنكاف 60 بالمئة من الناخبين التوجه لمراكز الانتخابات؛ وهذه النسبة تعتبر حالة غير صحية للنظام السياسي الإيراني، علی الرغم من رغبته بزيادة نسبة المشاركين، التي يعتبرها استفتاء علی النظام السياسي، ومواقفه في الملفات المتعددة التي تهم الناخب الإيراني وإيران علی حد سواء.
واذا كان صحيحا ان نسبة 25 بالمئة من الناخبين، الذين هم يعدون من «الطبقة الصامتة»، التي لن تدخل الانتخابات مهما كانت الظروف ولا يعّول عليهم أحد في الانتخابات؛ إلا أن الصحيح ايضا أن المشهد الانتخابي، لم يستطع من تحفيز 35 بالمئة من الناخبين، وهي نسبة ليست بقليلة خصوصا وان من بين هؤلاء طبقة واسعة من الشباب والمثقفين والطبقة المتوسطة. وهذه رسالة واضحة للنظام للعمل علی تعديل هذه النسبة، لأنها لا تعطي مؤشرات ايجابية، خصوصا أن نتائج الانتخابات تهم المواطنين، ومستقبلهم الاقتصادي والاجتماعي، وهي قضايا حياتية لرجل الشارع العادي.
النقطة الأخری؛ أن جميع نتائج استطلاعات الراي، التي قامت بها مؤسسات حكومية تنتمي لجهات حكومية كجامعة طهران ومركز الأبحاث التابع لمجلس الشوری البرلمان ومؤسسة الاذاعة والتلفزيون؛ أو شبه حكومية كمؤسسات اعلامية تعمل في المجال الصحافي؛ لم تنجح باعطاء نتائج واقعية وقريبة من النتائج النهائية، لأن جميع هذه النتائج تحدثت عن نسبة مشاركة تتراوح بين 49 الی 54 بالمئة وهو ماخالف النتائج الاخيرة وهو مايعني فقدان إيران لمؤسسات رصينة في عملها في مجال استطلاعات الراي.
وهذه النقطة ايضا تشكل رسالة للداخل الإيراني بضرورة امتلاك ودفع مؤسسات تعمل في مجال استطلاعات الراي لأن مثل هذه المؤسسات تستطيع أن تخدم صانع القرار باتخاذ القرارات أو الإجراءات، التي تنفذها الحكومة وبقية المؤسسات التنفيذية والعلمية والصناعية.
وهناك نقطة ثالثة وهي مهمة جدا تعني بفهم مراكز القرار في إيران أو آلية اتخاذ القرار في النظام السياسي الإيراني. الشائع في عديد الدراسات والأبحاث، وحتی في الصحافة والإعلام أن المرشد الإيراني الأعلی «ولي الفقيه»، هو صاحب القرار وأن المناصب الأخری في إيران خارج اطار عملية اتخاذ القرار؛ وأن من يجلس في هذه المناصب عليه مهمة تنفيذ ما يصدر من المرشد الأعلی.
أنا لا أميل لهذا التصور الذي لم يتولد من خلال حقيقة مسار القرارات والمواقف، وإنما من الصورة التي تنقل من إيران وهي الاطاعة الكاملة لمواقف وخطابات المرشد الاعلی.
في حقيقة الأمر أن هذه المواقف والخطابات هي نتيجة محصلة لمواقف مراكز القرار في إيران وليست قبل تلك المواقف. بمعنی آخر أن المرشد في كثير من الأحيان أو أكثرها يعطي الموقف، الذي تم بحثه ودراسته في مراكز القرار المتعددة في إيران والتي يشكل منصب رئيس الجمهورية احدی هذه المراكز. لكن يجب علينا ألّا نستبعد الحالة الرمزية، التي يتمتع بها المرشد فهو في نهاية المطاف مرجع ديني واجب الطاعة ضمن التكليف الشرعي بمدرسة أهل البيت عليهم السلام.
وبعيدا عن المبالغة بهذه الحالة، فالمناظرات التي تمت سواء قبل الجولة الاولی من الانتخابات أو بعدها، فإنها تعكس أهمية منصب الرئاسة الذي أستطيع أن أقول إنه يقف في مقدمة مراكز القرار، التي تساهم ببلورة القرارات والمواقف السياسية. وان مناهج وبرامج الرؤساء الإيرانيين الذين تعاقبوا علی سدة الرئاسة انعكست علی مواقف إيران في جميع المجالات الداخلية والخارجية وان المرشد كان يتبی مواقف هؤلاء الرؤساء ويدعمهم ويساهم بتقويم اعمالهم بشكل ايجابي منقطع النظير، علی الرغم من أن بعض المواقف، كانت خلافا لما يعتقده من أفكار وتجارب. وهناك العديد من الحالات ربما تطرقنا اليها لاحقا.
اما السؤال الاكبر قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة، فإن المشهد الانتخابي يشهد استقطابا حادا، بسبب وجود مرشحين، أحدهما ينتمي للتيار الاصلاحي مسعود بزشكيان والآخر للتيار الاصولي المحافظ سعيد جليلي وبين هذين المرشحين تقف جميع الملفات الحساسة، سواء الداخلية كالتربية والتعليم والصناعة والتجارة والصحة والتامين الی اخره من تلك الملفات التي تهم الناخب؛ أو الخارجية كالمفاوضات مع الدول الغربية وتحديدا مع الولايات المتحدة والملف النووي والمفاوضات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والعلاقات مع الاقليم، وغير من الملفات المعقدة والشائكة. وفي هذه الاجواء اصطفت عديد الشخصيات الی جانب المرشح بزشكيان فيما وقفت اخری الی جانب جليلي في صورة ربما لم تشهدها المشاهد الانتخابية السابقة في إيران.
وبنظرة عريضة للمشهد الانتخابي يبدو ان السجادة الحمراء غير مفروشة للمرشح مسعود بزشكيان، في الوقت الذي يتم التشكيك بقدرة سعيد جليلي علی صنع معجزة في هذه الانتخابات.
ومن الصعب التعويل علی الاصوات التي امتلكها المرشح الاصولي الخاسر محمد باقر قاليباف فهي باحسن الأحوال، لن تذهب للمرشح الاصولي سعيد جليلي الا 40 بالمئة، وبالباقي أما تذهب للمرشح مسعود بزشكيان أو لن تذهب للتصويت أصلا؛ علما أن البعض يعتقد أن جليلي لم يحصل اكثر من 20 بالمئة من أصوات قاليباف.
واستنادا علی ذلك فان المشهد يحتاج لتحفيز 35 بالمئة للطبقة الرمادية، التي لن تذهب لانتخابات الجولة الاولی. وليس من المعلوم أن هذه الطبقة ستحفز أم لا بفقدان نتائج استطلاعات رأي وازنة.