د. محمد وهاب عبود
في عالم الملاكمة ثمة حقيقة مؤداها: من يُفرط في توجيه اللكمات لن يسقط خصمه بالضربة القاضية.
إن الكيان الهش، ومنذ عقود، يشهر أسلحته الفتاكة بوجه شعب مكبل اليدين، يُتقن فن الثبات، ويأبى السقوط، في مواجهة كيان طارئ جيئ به باتفاقيات سيئة الصيت ووعود مشؤومة في لحظة تاريخية غادرة.
لقد اصبح الكيان «قاتلا متسلسلا»، ويشير المصطلح إلى ممارسة فعل التصفية الجسدية المتكررة والإمعان فيه، يصاحبه عمليات تعذيب وتنكيل بالقتيل، وذلك لإشباع رغبات نفسية مريضة، كما يشعر السفاح بالمتعة واللذة عقب كل جريمة.
وهذا ما نلاحظه جليا في جرائم الكيان البشعة والمستمرة تجاه المدنيين الفلسطينيين، لا سيما الأطفال والنساء، إلا أن القاتل عادة ما يصوب فوهة سلاحة نحو رأسه في نهاية المطاف، مقررا الانتحار لخلاصه من عذابات الروح المزمنة.
عندما تمارس مؤسسات عسكرية وأمنية برمتها الـ «قتل المتسلسل» لإبادة شعب كامل فهذا يكشف عن عقد تاريخية وجغرافية وثقافية دفينة، وأزمة هوية متاصلة، وكلها أسباب كافية لإحالة الفرد والجماعة إلى آلة لسحق الآخر أولا وتدمير الذات ثانيا.
يرتبط الكيان المتوحش ارتباطا وجوديا بالنظام العالمي الذي أرست قواعده ومؤسساته الولايات المتحدة، نظام هو من صنع هذا الكيان البكتيري القاتل المتطفل، وأمده بشروط الديمومة والحياة، نظام أمطر الكوكب بوابل من مفاهيم العدالة والحرية وحقوق الانسان والسلام وحق تقرير المصير، هذا الطلاء المفاهيمي لواجهة النظام العالمي يتعرض الآن لعوامل التعرية، بفعل المظلة الحمائية الأمريكية التي يستظل بها الكيان لمواصلة حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للفلسطينيين.
الشكوك بمدى صلاحية هذا النظام بدأت تتعاظم، كما تتقلص الثقة والمصداقية بإمكانيته في خلق عالم أفضل وأكثر عدالة، فحينما تدخل النظرية إلى مختبر الممارسة يتمثل الامتحان الحضاري والتاريخي الأصعب، وعندما يتكشف للأمم والشعوب بأن ما كان يلمع ليس ذهبا، بل كان مجرد صفيح لسلاح سُلط على الرقاب، تحكمه سياسة الترغيب والترهيب، ستُكتب فصول النهاية.
لقد كشف أطفال غزة للعالم اجمع الوجه الحقيقي للكيان الغادر ومن كان يؤمن بدعايته وادعاءاته الجوفاء، تلك الطفولة هي من ستكتب نهاية عصر الكيان ورعاته، وزوال مشروعه الدموي.