الهجرة النبويَّة وبناء الإنسان الجديد

آراء 2024/07/09
...

 حسين علي الحمداني


شكَّلت الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى يثرب التي سميت في ما بعد المدينة المنورة، هذه الرحلة الطويلة بداية جديدة للإسلام الذي أصبح دولة فيها تشريعات مستمدة من القرآن الكريم بوصفه دستورا، والرسول الكريم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) بوصفه قائدا لهذه الدولة وشعبا مؤمنا بقوة بهذه الرسالة، وهذا ما تجلى بوضوح في عدة صور أبرزها المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ووثيقة المدينة، التي تعد واحدة من أبرز الوثائق، التي نظمت العلاقة داخل المجتمع 

الواحد.

هذه النتائج لم تكن قابلة للتحقيق في مكة المكرمة، في ظل الحرب العلنية على كل من اعتنق الدين الإسلامي وآمن به، لهذا كان لا بد من الهجرة إلى أرض أخرى، خاصة أنها شكلت الهجرة الثانية بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة، وهو ما يعني إن الهجرة أمر إلهي ينبغي السير عليه من أجل تحقيق الأهداف.

من هنا نجد أن الهجرة ما هي إلا ثورة على واقع يرفض القبول بما أنزل من الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد (ص) في بيئة ظلت تعبد الأصنام كدين وتنتقص من قيمة الإنسان عبر العبيد، الذين يباعون ويشترون في الأسواق، فجاء الدين الإسلامي ليساوي بين البشر في الحقوق والواجبات، بل يعطي للمرأة حقوقها، التي ما كانت تعرفها في عصر قبل الإسلام في مكة وغيرها من مدن وقرى الجزيرة العربية.

ولعل من أبرز نتائج هذه الهجرة إن الإسلام أخذ في الانتشار أكثر بحرية تامة، بعيدا عن حرب قريش له في مكة المكرمة، مضافا لذلك بداية عملية بناء الإنسان المسلم الحقيقي في بيئة صحيحة ومؤمنة بالدين الإسلامي ومتخذة من الرسول الكريم (ص) قدوة لهم في الأقوال والأفعال، ما أدى لبناء مجتمع جديد يختلف كليا عما كان عليه قبل ذلك بدلالة انتهاء النزاعات القبلية في المدينة، وأبرزها صراع الأوس والخزرج، اللذين أصبحا تحت مسمى جديد هو الأنصار.

إن المجتمع الإسلامي الذي ولد من رحم الرسالة الإسلامية شكل بداية صحيحة لانتشار الإسلام داخل الجزيرة العربية وخارجها من جهة، ومن جهة ثانية مهد الطريق لانتصارات كبيرة، أبرزها معركة بدر الكبرى وصلح الحديبية، ومن ثم فتح مكة الذي أنهى حقبة الجاهلية.