أ.د. عامر حسن فياض
لقد شكلت قضية (الانتقال الديمقراطي) أو عملية (الدمقرطة)، مبحثاً رئيساً في علم السياسة منذ النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية ظهر عدد كبير من الكتب والدراسات والتقارير، التي تناولت هذه القضية على مستويات مختلفة: نظرية وتطبيقية، كمية وكيفية، دراسات حالة ودراسات مقارنة.
إذ يرى (صامويل هانتجتون) أن موجة التحول الديمقراطي، عبارة عن مجموعة من حركات الانتقال من النظام غير الديمقراطي إلى النظام الديمقراطي، والتي تحصل في مدة زمنية محددة، وتفوق في عددها حركات الانتقال في الاتجاه المضاد خلال المدة الزمنية نفسها.
وهي وفقاً لـ (اودونيل وشمبيتر) المرحلة الفاصلة بين نظام سياسي وأخر. وأثناء عملية الانتقال أو في أعقابها يتم تدعيم النظام الجديد، وتنتهي هذه العملية في اللحظة التي يجري فيها اكتمال تأسيس النظام الجديد. وعمليات الانتقال لا تحسم دائماً الشكل النهائي لنظام الحكم. فهي قد تؤدي إلى تحلل النظام التسلطي، وإقامة شكل من أشكال الديمقراطية، وقد تتم العودة إلى بعض أشكال الحكم التسلطي، مثل ما حدث في باكستان عام (1977) عندما أعلن (ضياء الحق) مرحلة انتقال مدتها ستة أشهر، ومع ذلك استمر في الحكم (11) عاماً. وأيضا في مصر الناصرية أعلن جمال عبد الناصر مرحلة انتقال مدتها عامان، لكن حكمه استمر (18) عاماً منذ ذلك الإعلان.
ومثل مصر وباكستان دول كثيرة عرفت الانتقال، ولكنها لم تعرف الديمقراطية. بينما أكد (دانكورات روستو) أن التحول الديمقراطي عملية مستمرة لها ثلاثة أطوار: الطور التحضيري (لحظة الانفتاح)، والطور الحاسم (الانتقال الديمقراطي)، وطور التعود والتحصين (الديمقراطية الموطدة).
ويعتمد الانتقال الديمقراطي (التحول الديمقراطي) على طريقتين:
الطريقة الأولى تشير إلى التحول من نمط التنظيم السياسي (غير الديمقراطي) التسلطي إلى نمط أخر ديمقراطي، أو بشكل أدق إلى نمط في طريقه إلى الدمقرطة.
والطريق الثاني للانتقال يمثل طوراً وسطاً يؤشر إلى القطيعة مع نظام سلطوي، لتبني قواعد نظام ينحو الدمقرطة أو الانتقال الديمقراطي.
إن التجارب في التحول الديمقراطي لا تتشابه. وأن البُناة أو الفاعلين الذين صنعوا الانتقال تختلف مرجعياتهم وثقافتهم وأساليب تدخلهم في السياسة والمؤسسات. فعلى الرغم من أن هناك أشكالا أو أنماطا متعددة لنظم الحكم غير الديمقراطية (شمولية أو تسلطية مغلقة، مدنية أو عسكرية، حكم فرد أو حكم قلة... الخ)، إلا أن هناك حالات ومستويات للنظام الديمقراطي متعددة أيضا يتم الانتقال إليها. فقد ينتقل نظام مغلق إلى نظام شبه ديمقراطي يأخذ شكل ديمقراطية انتخابية.
ويمكن أن يتحول نظام شبه ديمقراطي إلى نظام ديمقراطي ليبرالي أو يكون قريباً منه. كما أن الانتقال إلى النظام الديمقراطي، يمكن أن يتم من أعلى، أي بمبادرة من النخبة الحاكمة في النظام غير الديمقراطي أو الجناح الإصلاحي فيها، أو من أسفل بواسطة قوى المعارضة المدعومة بتأييد شعبي واسع، أو عبر المساومة والتفاوض بين النخبة الحاكمة وقوى المعارضة لها، أو عبر تدخل عسكري خارجي. وكل ذلك يؤكد مدى التعدد والتنوع في تجارب وخبرات الانتقال الديمقراطي.
وبناء على ما تقدم فإن مفهوم (الانتقال الديمقراطي) يشير من الناحية النظرية إلى مرحلة وسيطة تشهد في الأغلب الأعم مراحل فرعية، يتم عبرها تفكيك النظام غير الديمقراطي القديم أو انهياره، وبناء نظام ديمقراطي جديد. وعادة ما تشمل عملية الانتقال مختلف عناصر النظام السياسي، مثل البنية الدستورية والقانونية والمؤسسات والعمليات السياسية وأنماط مشاركة المواطنين في العملية السياسية... الخ.
فضلاً عن ذلك، فإن مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية قد تشهد صراعات ومساومات وعمليات تفاوض بين الفاعلين السياسيين الرئيسين. كما تتطلب عملية التحول إلى الديمقراطية وفقاً لرؤية برهان غليون، (تطوير ثقافة ديمقراطية جديدة وموارد مادية ومعنوية جديدة وبناء قطب ديمقراطي تعددي حي وإصلاح المؤسسات الرسمية والاجتماعية وبناء مقومات الإجماع الوطني). وبالانتقال إلى موضوع العراق نجد انه يقف في مرحلة (الانتقال إلى مرحلة التحول الديمقراطي)، وكذلك بالتأكيد، لم يعش بعد (المرحلة
الديمقراطية).