الحكومة الإيرانيَّة الجديدة.. تحديات السياسة الخارجيَّة

آراء 2024/07/14
...

  محمد صالح صدقيان

 هناك فهم خاطئ عند أوساط عربية وغربية تعتقد أن الحكومة الإيرانيَّة ورئيسها لا تملك دورا في رسم السياسات الخارجية، وإنما هي بيد المرشد الإيراني الأعلى، ولذلك فإن السياسة الخارجية الإيرانيَّة لن تشهد تغييرا بعد الانتخابات الرئاسية وتحديدا بعد فوز المرشح مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

 ربما من حيث المبدأ والجوهر يكون هذا الفهم صحيحا، عندما تكون القضايا الأساسية الاستراتيجية كالعلاقة مع الولايات المتحدة والدول الغربية؛ النظرة للعلاقة مع الشرق بما في ذلك الصين وروسيا والعلاقة مع الإقليم ومحور المقاومة من صلاحيات مجلس الأمن القومي والمرشد الأعلى؛ لكن الصحيح أيضا أن مسار العملية السياسية والتجارب والآليات، التي التزمت بها إيران خلال العقود الأربعة الماضية كانت الحكومة الإيرانيَّة ورئيسها ووزارة خارجيتها مكلفة بتنفيذ القرارات، وامتلاك الآليات اللازمة لتحقيق ذلك، وقبل ذلك كان لها دور في رسم هذه السياسات من خلال رئيس الجمهورية الذي يرأس مجلس الأمن القومي، الذي يأخذ على عاتقه رسم السياسات العامة للبلاد.
وبنظرة عابرة على سياسة الحكومات الإيرانيَّة المتعاقبة، يظهر جليا الدور الذي مارسه رئيس الجمهورية في تبني الأفكار والتصورات وطرحها على المشهد السياسي ليتم التصويت عليها، وبالتالي لتكون منهجا سارت عليه إيران في علاقاتها مع الإقليم وعلاقاتها الخارجية.
في مقال سابق تحدثت عن الملفات الساخنة الموضوعة على طاولة الرئيس الإيراني الجديد والتي تستوجب الانغماس بها، من أجل إيجاد حلول وآليات للتعاطي معها بما يخدم الأمن القومي الإيراني. أشرت في ذلك إلی أربعةِ ملفات أساسية، وهي الملف الداخلي والمشكلة الاقتصادية؛ الملف النووي؛ ملف المباحثات مع الولايات المتحدة؛ وملف العلاقات الإقليمية.
الان وبعد فوز المرشح مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية؛ هناك تحديات مهمة في السياسة الخارجية الإيرانيَّة يتعين على الحكومة الإيرانيَّة الجديدة مواجهتها.
أولا: الاتفاق النووي. لقد احتل هذا الاتفاق حيزا مهما في المناظرات التي أجراها المرشحون في السباق الرئاسي لما له من انعكاسات على الوضع الاقتصادي الإيراني.
وقد كان الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان واضحا عندما دافع عن الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع المجموعة الغربية؛ كما دافع عن الآليات التي تستطيع أن تتوصل مع الدول الغربية لتفاهمات تستطيع أن تزيل الحظر المفروض على الاقتصاد الإيراني؛ حيث شكل هذا الفهم نقطة اختلاف جوهرية مع المرشح سعيد جليلي الذي خاض الجولة الثانية من الانتخابات والتي رای فيها بانه يرغب الدخول في مفاوضات مع الدول الغربية، لكن بعنوان المطالبة بحقوق إيران التي بددتها الولايات المتحدة عندما انسحبت من الاتفاق النووي؛ وبشكل أوضح فان جليلي والوسط الذي يمثله يعتقد أن المباحثات مع الولايات المتحدة عملية غير مجدية وهي مضيعة وقت ويجب أن تجد إيران بديلا عنها في العلاقة مع دول أخری بديلة كروسيا والصين. هذا الملف يشكل حاليا احدی التحديات الرئيسية في سياسة الرئيس المنتخب وكيف يمكن له أن يهندس فريقه وسياسته؛ وكيف يمكن له التاثير على قناعة مجلس الأمن القومي الأعلى ليأخذ منه ما يريد قبل أن يفاتح الدول الغربية، وتحديدا الولايات المتحدة، التي ما زالت ترتبط معها بعلاقات غير مباشرة عبر منصة سلطنة عمان.
ثانيا: الملف الأفغاني. فسيطرة حركة الطالبان على أفغانستان أصبح واقعا؛ وان إيران سارت باتجاه اقامة افضل العلاقات مع حكومة الطالبان، من خلال تقديم المساعدة الاقتصادية والخدمية لتحيدها وجعلها صديقا محتملا، بدلا من عدو محتمل؛ لكن تبقی التحديات موجودة في هذا الملف لإيران. فحركة المياه عبر نهر هيرمند ما زالت متلكئة للوصول الی محافظة سيستان وبلوجستان، التي تعاني من شح المياه في حين يشكل اللاجئون الأفغان مشكلة أمنية واقتصادية وسياسية بالنسبة لإيران. وتتحدث الأرقام عن وجود 7 ملايين لاجئ افغاني في إيران، وهؤلاء حسب المعلومات الإيرانيَّة يشكلون عبئا سياسيا وامنيا واقتصاديا إضافيا على إيران، يجب أن يأخذ حيزا في سياسة إيران الخارجية.
ثالثا: التحديات الأمنية والجيوسياسية، التي تواجهها إيران من التغيرات التي تحدث بين أرمينيا وأذربيجان، خصوصا ما يتعلق بممر "زنغزوز" الذي أنشأته أذربيجان والذي اعتبرته إيران تغيير "الحدود التاريخية" في المنطقة، و"خطا أحمر"، بالتوازي مع تعزيز حشودها العسكرية في المنطقة الحدودية.
وكان المرشد الأعلى الإيراني الإمام علي خامنئي قال عقب انتهاء حرب قره باغ الثانية عام 2020 "إننا فرحون بعودة قره باغ إلى أذربيجان، لكن إذا كانت هناك سياسة لإغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا، فإن الجمهورية الإسلامية ستعارض تلك السياسة، لأن تلك الحدود كانت طريقا للتواصل منذ آلاف  السنوات".
وتشكل التطورات في أذربيجان عامل قلق بالنسبة لإيران، لأنها تضم سكانا من القومية الأذرية يبلغ عددهم نحو 15 مليونا. إضافة إلى ذلك، إن إيران تعترض على المشروع خوفا من فقدان الاتصال مع أرمينيا، فضلا عن تخوفها من الدور الأكبر لتركيا في القوقاز وآسيا الوسطى؛ ناهيك أن هذا الممر يحرم إيران من المنفذ الوحيد إلى البحر الأسود، حيث تعتبر أرمينيا جسر طهران لتصدير بضائعها لدول المنطقة. وهناك بعد جيوسياسي آخر يثير قلق إيران، ويتعلق بالتعاون الثلاثي بين تركيا وأذربيجان وأرمينيا، واحتمال نجاح مسار التطبيع بشكل يضعف نفوذ طهران ومصالحها في المنطقة. وهذا الملف موضوع على طاولة الرئيس المنتخب ويحتاج لمعالجة يحفظ فيها المصالح الإيرانيَّة ويزيل القلق  عنها.
رابعا: العلاقة مع الصين وروسيا. هذا الملف مرتبط الی حد بعيد بالملف الاول وعلاقة إيران بالدول الغربية وكيف يريد الرئيس الإيراني المنتخب ان يدير هذه العلاقة خصوصا وانه يجب أن ينتظر الی القادم الجديد في البيت الأبيض في نوفمبر القادم.
إن من مصلحة إيران الموازنة في علاقاتها بين الغرب والشرق. لكن السؤال هل هذا ممكن على ضوء المواجهة غير المعلنة الموجودة بين واشنطن من جهة، وبين بكين وموسكو من جهة أخری؟.
خامسا؛ حرب غزة. أثارت الرسالة الجوابية التي أرسلها الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان للامين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، عدة تساؤلات بشأن آلية تعامل الحكومة الإيرانيَّة الجديدة مع حزب الله وفصائل المقاومة، في ظل التهديدات الإسرائيلية للبنان وجزب الله. بزشكيان كان واضحا أن السياسات الإيرانيَّة ثابتة بدعم فصائل ومحور المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي؛ لكن السؤال كيف سيكون هذا الدعم وما لونه وشكله وطعمه؟ ربما تحدثنا عن ذلك بالتفصيل لأنه مهم لإيران ومهم لدول المنطقة ومهم أيضا لفصائل  المقاومة.
سادسا: التطبيع مع الكيان الاسرائيلي. هذا الملف يشكل تحديا استراتيجيا للامن القومي الإيراني الذي يقف ضد الكيان وضد التواجد الأجنبي في المنطقة، الذي يدافع عن المصالح الاسرائيلية. والحكومة الإيرانيَّة الجديدة التي تريد التوصل لتفاهمات مع الولايات المتحدة بشأن ملفها النووي ستكون وجها لوجه مع عمليات التطبيع المستمرة بين دول الاقليم والكيان الإسرائيلي، وما يشكله من خطر على امنها القومي. ليس من الواضح الموقع الذي سيحتله محمد جواد ظريف مهندس السياسة الخارجية في حكومة الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان؛ لكنه بالتأكيد إينما يكون لكنه سيعمل على مواجهة هذه التحديات، وستكون على طاولة السياسة الخارجية للحكومة الجديدة.