مسألة وقت

آراء 2024/07/14
...

 د. أثير ناظم الجاسور

منذ اليوم الأول لاحتلال العراق عام 2003 ولغاية يومنا هذا الحار المفعم بالسخونة، الذي ساعد على غليان كل محركاتنا الداخلية نعيش مجموعة من الأوقات المسبوقة بالوعود، سواء وعود الحياة الكريمة الناتجة عن الآمال، التي رسمتها الإدارة الأمريكية وهي مقبلة على احتلالنا مرورا بالخطابات السياسية والحزبية من خلال برامجها المتخومة بالوعود ذات السقوف غير المنطقية انتهاءً بتوفير كل ما يتعلق برفاهية المواطن المحروم البائس، الذي عاش تحت ظل أقسى دكتاتوريات الأرض، ليصحو على واقع بالضرورة وقبل أي تفكير هو ناتج أفعال ذلك الدكتاتور العابد لشخصه، نعم إنه الوقت يا سعادة الجماهير، الذي استنزف كل طاقتنا سواء ذلك الوقت الذي كنا بانتظار الخلاص من الدكتاتورية فيه، أو وقتنا الحالي الذي ابتدأ منذ اليوم الأول للفوضى التي أسماها سياسيو الاحتلال بالخلاقة التي تمترست خلف مجموعة من تصورات وآمال وطموحات الغالبية الباحثة عن تلك الحياة الباعثة للإنسانية، ما هو إلا بالتقديرات الطبيعية وقت يمر ضمن مجريات التفكير وصيغ الحياة الروتينية بالنتيجة يمر ليُحقق الإنسان فيه مبتغاه بفارق الطول والقصر له، أما نحن فالوقت هو مجموعة من الآمال والتأملات يبني على أساسها المواطن أهدافه المخلوطة بين العاطفة الدافعة للرضا بالواقع وبين العقل الرافض له لمخرجاته غير
المرضية.
مذ كنا صغاراً ونحن نقرأ بإن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وها نحن منذ لحظات تاريخية متعددة نعيش جملة من الأوقات التي بشرت بطي مجموعة من الصفحات، لتُعلن عن أخرى مختلفة سواء بالتوجه أو الممارسة، لنقع بالمحصلة بقضية سوء التقدير التي تعيدنا لمسألة إعادة التقييم التي أيضا أخذت وما زالت تأخذ وقتاً يكاد يكون كل الوقت في سبيل أن لا يقطعنا سيف الوقت، لنصحو بعد مدة ممزقين فكرياً جسدياً، لا نزال نلوح بخرقة مزقتها مراحل تاريخية ألقت بظلالها على حاضرنا، الذي جعل منا غير مؤهلين لقراءة مستقبلنا، الذي أصبح من مستحيلات التصور، لا بل اجتاحت سوداوية التصور مخيالات العامة، لتعلن عن رضاها رغم عدم رضاها.
اليوم وبسبب التنافس الداخلي والتجاذب الخارجي والميول والتوجهات لعبت قضية الوقت دوراً كبيراً في رسم صور متعددة حددت معالم بلد، مثل العراق بكل ما يملكه من خزين مادي وبشري ..الخ، ولعبت كل الأطراف على عامل الوقت الذي عشناه وعاش فينا بمراحل مختلفة ومتعددة بسلبها الذي طال وايجابها الذي نحلم به، مع فارق التوقيت الزمني والعقلي، ما هي إلا مسافة، لا بل ومضة ضمن مساحات التفكير بالواقع الذي افرز كل تجلياته وصيروراته ومخيالاته وآنيته، ليقول قوله سياسياً واقتصادياً واجتماعياً فكرياً وثقافياً، فأنتجت مجموعة من التوقيتات، التي قتلت الرغبة والحلم والإصرار في خلق بيئة مغايرة في جولة الإنسان الأخيرة.
باختصار إن العراق كان وما زال رهين تجاذبات وخيارات على الأغلب مؤجلة يحكمها الوقت، الذي فرض طوقا على الجميع حكاما ومحكومين أرض وسماء، لتستمر مستقيمات القياس بين الأطراف بمختلف توجهاتها ومستوياتها تسير وفق ضرورات مرحلة غير قابلة للتصديق وتوقيتات مفتوحة غير معلومة النهايات وغير منتظمة، ليبقى الجميع محكوما بمسألة وقت لا أكثر.