درسٌ حيواني

آراء 2024/07/15
...







 طالب سعدون


هل أقدمت الحيوانات على إبادة جماعية ضد بعضها أو في الادق ضمن النوع الواحد...؟ سؤال قد يبدو غريبا.. وقد يتبادر إلى الذهن أن جوابه سيكون بنعم حتما انطلاقا من تصور أن الحيوان مخلوق فاقد للعقل، فلا يستبعد أن يقوم بهذا الفعل بخلاف الانسان الذي خصه الله بالعقل وحمله بسببه مهمة التكليف..  لكن التجارب أثبتت العكس فانه مع غرور القوة عند المفترس من الحيوانات لكن الضحايا محدودة، ولا تلحق الضرر إلى حد القضاء على النوع من خلال عملية ابادة كما نشهدها عند الانسان، ومن هذه التجارب: إن الصراع بين الحيوانات من النوع الواحد حتى العنيف منه، وعادة ما يكون في التنافس على الاناث في مواسم التزاوج له اصول وقواعد ومواثيق اذا جاز التعبير تعبر عنها هذه الحيوانات في سلوكها في القتال، تحافظ بها على النوع وتتجنب الابادة، ومن هذه التجارب ما لاحظه احد المتخصصين انه اذا ما تخاصم اسدان وهما من ملوك الغابة، فإنه نادرا ما يسفر عن قتل بل يقف القتال عند نقطة معينة يدرك أحدهما قوة خصمه، فينسحب وتجربة أخرى على الظباء الناميبية ذات القرون المسننة فان الصراع بين الذكرين فيها على الأنثى ايضا لا تستخدم فيه هذه القرون وهو سلاحها الفتاك، بل ( يتلاطمان بالأجناب والأعناق والأكفال)، وعندما يدرك أحدهما أن المقابل أقوى منه ينسحب دون قتال.. وقس عليها حيوانات اخرى.

 لقد قتل الإنسان أكثر من نصف حيوانات الأرض، كما أشار إحصاء خاص بجرائم الانسان ضد الحيوان والباقي منها على قيد الحياة قد يواجه في السنوات المقبلة بيئات غير مناسبة لحياتها.

ذلك التصرف البشري كان مع الحيوان.. ولكن هل يتوقع أحد أن يصل العنف والحقد والكراهية والأذى والارهاب عند من يسمى مجازا بـ (الانسان) إلى الابادة الجماعية لفصيلة جنسه، وهو الكائن الأرقى في الوجود.. واذا كنا قد قرأنا عنها، واستغربنا منها، وأخذتنا الدهشة لجرائم من هذا النوع، والاشمئزاز ممن يوصفون ب ( آكلة لحوم البشر)، فإننا نتعرض اليوم لجرائم من هذا النوع، يخجل من إرتكابها الحيوان، بينما يشعر مرتكبها (الانسان) بلذة كبيرة بالايغال فيها أكثر، ويمارسها ببرودة أعصاب، وزهو بـ (الانتصار).. إن الجرائم التي تعرض لها الفلسطينيون على سبيل المثال منذ قيام كيان الاحتلال في 15 مايو/أيار 1948 والى هذه اللحظة تشكل جريمة إبادة لم يسبق لها مثيل، يندى لها جبين الانسانية، جرائم ومذابح ومجازر وابادات كتبها التاريخ ولن تمحى من الذاكرة.. منها على سبيل المثال لا الحصر صبرا وشاتيلا، دير ياسين، بحر البقر، خان يونس، ومخيم جنين والحرم الابراهيمي وسلسلة اعتداءات لا تعد ولا تحصى من بينها على غزة، فهي لوحدها سلسلة اعتداءات وجرائم ابادة ( 2008، 2009، 2012،2014، 2021، واخرها في اكتوبر 2023، ولا يزال العدوان مستمرا، راح ضحيته ما يقرب من الاربعين ألف شهيد و90 الف جريح.

 هذه الارقام لوحدها تشكل ابادة انسانية لا يمكن أن توقفها المشاعر المجردة، أو بيانات الشجب والاستنكار التي ليس لها تأثير مع هذا النوع الغريب من ( الكائنات)، التي لا تفهم من الحياة غير لغة القوة.. انها فعل مقصود لابادة هذا النوع من البشر لانه يدافع عن حقه.. عن ارضه. جمل البلاغة، وعبارات الانشاء لا تنفع مع من ليست له مشاعر، أوضمير حي ينبض بالحياة، لكي تؤثر فيه الكلمات، أو يتألم للصرخات، وليس له نسب بضمير، أو صلة بدين، لكي ينفع معه التذكير بحرمة الدم، وهي عند الله أشد من هدم الكعبة..  هؤلاء (مغتربون ) عن انفسهم، وساديون يتلذذون بعذابات الانسان، ويرقصون طربا على أشلاء ضحاياهم، وقد تحولوا إلى مجرد ( ألة ) تسمى مجازا ( كائنا حيا )، تتحرك لأداء شيء لا يعرف الحب، والمعاني والمثل الاخلاقية العليا ( التسامي ) التي ترتبط بالانسان بل لا يعرف غير القتل والموت بالسلاح أو بالمجاعة.. إنهم ضد الحياة..   مجازر رهيبة شكلت نهرا من الدم، وجبلا من الالم، تشهدها غزة بكل مدنها ولا تزال إلى اليوم صنفتها المنظمات الدولية بانها جرائم ابادة ضد الانسانية لم يحصل لها مثيل،.. جرائم ضد الفلسطينيين عامة لا تقتصر على القتل فقط بل كل انواع العذاب في الحياة.. التهجير من المدن واقامة مستوطنات محلها ليهود جمعوهم من أنحاء من العالم. إنها جرائم ليست من فعل حيوان، بل من هو أضل.