علي الخفاجي
يوماً بعد آخر تزدادُ التفاهةَ وتنتشر الكلمة الخاوية محاولة لجر المجتمع إلى أدنى مستوى جاعلةٌ منه وسيلة لنشر القباحات المستوردة، هكذا وصف الأستاذ الطاهر لبيب استاذ علم الاجتماع في كتابه المهم «سوسيولوجيا الثقافة» وهو يتحدث عن الوضع العام للمجتمعات، حيث برر ذلك إلى انعكاسات الجو العام في المجتمعات الميتة، كما وصفها هي انعكاسات عميقة، بحيث من الصعب لأي قوى أو جهة أن تقف بالضد من تلك الثقافة.
الحديث عن غزو ممنهج حل بنا وبدأ يعصفُ بالقيمِ والأخلاق في كثير من الأحيان، حديث ذو شجون، لأن ما يحصل الآن من اعوجاج قيمي غير مسبوق هدفه هو تهديم الذات، تقوده ثلة من المنحطين فكرياً وخلقياً، جاعلين من منصات التفاهة وقنواتها خير وسيلة لنشر قاذوراتٍ سمجة لم تكن تخطرُ بالحسبان لولا الانحدار الفكري والقيمي، الذي بدا يتفشى ويتغلغل في مسامات جسد المجتمع، وأصبح يؤثر في التفكير الجمعي، وأمسى المجتمع في هذه الحالة من حيث لايعلم يعلق ويبدي تفاعلاً، ويعطي رأياً، ويفندُ آخـــر، ويناقش فرضيات التفاهة وبدأت تلك التفاهات شيئا فشيئاً تأخذ حيزاً من وقت الأفراد دون ان يقدم هذا الفرد أو ذاك منجزاً أو شيئاً نافعاً لنفسهِ أو لمحيطه، عندما نتكلم عن اللامعنـــى بمحتواها الواسع والكبير لا نقصدُ حادثةً أو فكرةً أو شيئاً بعينه، بل نتحدث بالعموميات، حيث دخل اللامعنى بجميع مرافق الحياة، الذي لاقــــى رواجاً وتشجيعاً من الأفرادِ والمؤسسات، وأصبحت لهُ حاضنة ترعاه، وكما اشرنا بأن ثقافة اللامعنى باتت تحيط بنا من كل حدبٍ وصوب، وهنا لا بدَ أن نشخص بعض الأمور بمسمياتها وعناوينها، كــــي تكون أكثر وضوحاً ؛ فعلى سبيل المثال الخروج عن وحدة الموضوع هو اللامعنى، واللغو في الحديث هو اللامعنى، وظهور السياسي وخلفه بهرجة الكتب ومئات العناوين منها، كي يقنع المشاهد بأنه مثقف وقارئ هو اللامعنى، وغير ذلك الكثير من الأشياء التي تخرج من نصابها الصحيح ومعناها الدقيق إلى صوبٍ آخــــر.
في الآونة الأخيرة ونتيجة انتشار ما يعرف بثقافة الإنفتاح المجتمعـــــي ومن خلال إقامة الكرنفالات والمهرجانات وحفلات تكريم للأعمال الفنية والثقافية، وبطبيعة الحال تعتبر تلك الأشياء من الأيجابيات لأنها تشجع الفن والفنانين لتقديم ماهو اكثر وأجمل من الأعمال، لكن أن يصل الحال إلى تقديم وتصدير الابتذال والسفاهة من خلال مشاهد الــُعري بالنسبة لبعض الإعلاميات وما يطلق عليهن بالفانشستات هنا لابدَ ان نقف قليلاً وان نبدي رأينا لأن الموضوع خرج من كونهِ احتفالاً بمنجز أو تكريماً لعمل وأصبح مناسبة لعلها تكون دورية لاستعراض الجسد بحجة الإنفتاح، وهنا ومن باب توضيح الأشياء فلا بد أن نفرزنَ بين الحداثةِ والتطور، وبين عدم تقبل الأشياء السلبية التي بدأت تعصفُ بنا وامست بمرور السنون شيئاً معتاداً، فبدلاً من اللجوء إلى المعنى كمنطلقٍ عام لنهج حياتنا وبالتالي نوسع مداركنا جاعلين نصب أعيننا كيفية النهوض بالإنسان كقيمة مجتمعية هادفة، صارت مثل هكذا مناسبات هــــي من تقود المجتمع وتحدد أولوياته.