طالب سعدون
اعتاد صديقي أن يبدأ عزاءه باستشهاد الامام الحسين كل عام ليلة الحادي عشر من محرم، التي تعرف بليلة الوحشة – ويا لها من ليلة حزينة على عيال الحسين – وعظيمة بعظمة الدور الذي نهضت به زينب - جبل الصبر والقدوة في تحمل المسؤولية، ونجاحها الاعلامي الباهر في توضيح ونشر مبادئ واقعة الطف والنهضة الحسينية، لما توفرت لها من صفات متميزة أهلتها لأداء هذا الدور بتميز.
العزاء ضم طيفا جميلا من المدعوين، لكن ما يجلب الانتباه مشاركة أطفال بعمر الزهور، وفتيان جاؤوا للتعبير عن تضامنهم ومواساتهم، مع من كانوا في أعمارهم في واقعة الطف.
التقى الجميع على حب الحسين.. وقد يتبادر إلى الذهن سؤال وهو: لماذا هذا الحب المتجدد للإمام الحسين بعد هذه السنوات الطويلة على استشهاده؟.
الجواب لا يحتاج إلى تفاصيل كثيرة، بل يمكن أن تختصره بكلمات معدودة ( هو تأس بالرسول ( ص )، وحب له والاقتداء به )..
فحب الامام الحسين اذاً هو طاعة للرسول واقتداء بسلوكه، وإتباع لحكمه والالتزام باقواله، وبعكسه يكون المسلم قد خالف الرسول، وحكم الاسلام في التأسي به.. اذا.. الحسب والنسب والتأسي بالرسول في الحب والموقف جعل الامام الحسين متميزا، وحبه واجبا.. فهو امتداد للنبي محمد ( ص ) في النسب والموقف..
الامتداد في النسب لخصه الحسين في مخاطبته جيش العدو ( أيها الناس : إنسبوني من أنا، ثم إرجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، وإنظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟.. ألست ابن بنت نبيكم، وابن وصيه، وابن عمه، وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه؟
أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟
أو ليس جعفر الطيار عمي؟ أو لم يبلغكم قول رسول الله ( ص ) لي ولأخي (هذان سيدا شباب أهل الجنة).
وامتداد الامام الحسين لجده في الموقف يتمثل في صيانة الدين والمحافظة عليه، فقد قال فيه جده ( ص ) ( حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا..).
وعندما يقول الرسول ( حسين مني )، فهذا معروف في النسب الذي اشرنا اليه، أما كيف يكون الجد من الحفيد؟
ذلك هو ما يلخص دوره في استمرار رسالة جده والحفاظ عليها، ووقفته المشهودة في تحقيق التواصل معها دون إنقطاع، إلى أن تقوم الساعة، وهي وقفة خالدة خارج قياس الزمان والمكان المتعارف عليه في الثورات الاعتيادية، تحرك العقل وتوقظ الروح، عند أي رافض أو ثائر في العالم، ضد الظلم والفساد والاستبداد والقهر والتعسف والجور والتميز، من دون حق والاستئثار بالمال العام لاغراض
شخصية.
إذا كان المسلمون يحبون الحسين تأسيا بالرسول الكريم ( ص ) في حبه له ولنسبه، وانه من اهل البيت الذين طهرهم الله.. هو ابن فاطمة بضعة الرسول وابن علي بن ابي طالب ابن عم الرسول وأخ الحسن، وأنه امتداد الرسالة، فإن غير المسلمين يحبونه لأنه بالنسبة لهم يمثل رمزا للتضحية والشجاعة والحرية والعدالة، وتلك القيم العالية تلتقي الانسانية عليها وقد جسدها في شعاره الخالد هيهات منا الذلة.
ومن هنا فان الاحتفاء بوقفة الامام الحسين وتخليد ذكرى استشهاده كل عام، هو إحياء لكل تلك القيم العالية والنبيلة وإعلان يتجدد على حب الإمام الحسين، وبيان على مواصلة الطريق على نهجه في رفض الظلم والظالمين والسير على منهج الحق
والصالحين.