سناء الوادي
في خطابه الانتخابي في بنسلفانيا تلقى المرشح للرئاسة والرئيس الأسبق « دونالد ترامب « رصاصةً زائرة أبت الاستقرار في رأسه فمرَّت مرور الكرام بمحاذاة أذنه اليمنى مقدمة له راية النجاة، وعلى الرغم من كثرة الفرضيات التي تناولت هذه الحادثة وعدم معرفة الجهة التي تقف وراءها حتى اللحظة، إلا أنها وبما لا يدع مجال للشك كانت ورقة رابحة أثقلت دفة الميزان لصالح «ترامب»، فحسمت الولايات الكبرى أمرها واصطفت إلى جانب ذلك الجمهوري
وما زادَ في الطنبور نغماً ذاكَ الدَّعم الذي أعلنه الرجل الأغنى في العالم لحملته الانتخابية بخمسةٍ وأربعين مليون دولار شهرياً ليضع ـ إيلون ماسك ـ الرئيس الأمريكي جو بايدن وحزبه في موقفٍ حرجٍ للغاية. هذا ونقلاً عن موقع أكسيوس الاستخباري في تقريرٍ له يتحدَّث عن الضغط الكبير الذي يمارسه الديمقراطيون على الرئيس لإيجاد طريقة آمنة للانسحاب من السباق الرئاسي، وفي ذلك لا يُحسد هذا الحزب، فالوقت ليس رفيقه أبداً ليقدِّم مرشحاً ينافس به ترامب، ومن غير المعقول أنْ يبقى أيضاً بلا مرشحٍ يمثّله، وعليه فإنَّ الأعين ستتجه غالباً لـ» ميشيل أوباما « وإلّا فإن الجمهوريين سيكتسحون مقاعد الكونغرس إذا ما استمرت فرص المنافسين بالتراجع، ما يعني ذلك انفراد دونالد ترامب بحكم أمريكا على هيئة مَلِكْ بيده وحده الأمر والنهي.
وبالعودة إلى حادثة الاغتيال التي رفعت من نسب المؤيدين لدونالد ترامب وبات من المؤكد أنه سيتزعم البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة، فهل حقاً أرادت الدولة العميقة ذلك؟.
ماذا لو تعمقنا في مجريات الأحداث العالمية مع مطلع هذا القرن وعقب انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الفائت، وترؤس الولايات المتحدة لزمام الأمور في عديد الدول، فتحدث الفتن تارةً وتتدخل عسكرياً تارةً أخرى وفي ذلك تمارس دور الشرطة بمهارة بالغة، لكنه ومع تعاظم قوة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية وما يحتويه من معاني الوحدة والاتفاق بين 27 دولة، شكّل ذلك هاجساً أقلق واشنطن فوضعته على رأس قائمة الأولويات لديها، فأولت جلَّ اهتمامها على هدم قوة دول القارة العجوز ليظلّوا تحت إمرتها وفي عنايتها توجّه شراع سفنهم حسب رياح مصالحها، فكان لها المراد وهيأت كل الظروف لاستفزاز روسيا وتهديدها بزحف الناتو إلى حدودها، فما كان منها إلا أن غزت أوكرانيا وتحالفت الدول الأوروبية، من خلفها في وجه الدب الروسي ما معناه ضرب العلاقات التجارية بين الجانبين في مقتلها، ففجروا خطوط إمداد الطاقة ـ نورد ستريم ـ وأوقفوا تصدير الحبوب الأوكرانية وتسببوا في إنفاذ مخازن السلاح في تلك الدول، كل ذلك أضعف دول الاتحاد الأوروبي ووضعها في مأزق، أول مفرزاته كانت وصول اليمين المتطرف لسدة السلطة في أغلبها، وبذلك أزاحت تهديد الاتحاد لوجودها من على الواجهة كما أزاحت قبلاً بريطانيا العظمى وجنيهاً استرلينياً هدّد وجود الدولار وهيمنته.
ولا يختلف ذلك كثيراً عمّا فعلته في الشرق الأوسط والدول العربية والإفريقية مختصره « فَرٍّقْ تَسُدْ «، واليوم باتت الحاجة ملّحة أكثر من أي وقت مضى للتفرغ الأمريكي للقوة المتنامية بسرعة والتي تشكل خطرا حقيقيا على وجود العم سام وهيمنته المطلقة ألا وهي الصين، والتي تنادي بمساعدة حلفائها لإنهاء الأحادية القطبية، فإذاً لا بدَّ من إغلاق الملفات المفتوحة في عدة جبهات، والتي تشتت من التركيز على العدو الأهم ومن ذلك « إنهاء حرب أوكرانيا وحرب غزة « والعودة للشرق الأوسط لمحاولة تهشيم العلاقات المتنامية بينها وبين الشريكين الروسي والصيني « رعاة السلام السعودي ـ الإيراني وكذلك السعودي ـ الحوثي «، ولا ننسى زعزعة العلاقات المصرية مع جيرانها.
ومن كلِّ ما أسلفت قد يكون دونالد ترامب هو مفتاح الحل للدولة العميقة وخيارها الأفضل، وقد يفوق الأخير التوقعات وينسحب من الناتو، فهو ونائبه فانس من أشد المناصرين لفكرة أن الحلف كان عبئاً على أمريكا ويكلفها باهظاً من الناتج القومي، ولربما يجد في ذلك فرصة لدعم الخزينة وتخفيف نسبة الدين العام الذي بلغ 130 % من إجمالي الدخل، فيعطي الفرصة لموسكو لقضم المزيد من دويلات القارة العجوز التي كانت سابقاً تتبع للاتحاد السوفياتي.
وعليه فإنَّ عملية اغتيال لم تنجح ستدير دفة القيادة في سياسات العالم، فما أشبهها بتلك التي نجحت في العام 1914م للأرشيدوق فرانز فريدناند ولي عهد امبراطورية النمسا والمجر، التي تسببت بحرب عالمية استمرت أربعة أعوام قلبت الموازين وأنهت الإمبراطورية العثمانية، وأشعلت الثورة البلشفية في روسيا وقضت على حكم القياصرة، فضلاً عن خلط أوراق دول أوروبا وتشكيل التحالفات العسكرية، ووضعت العالم في مخاض من التوترات حتى قامت الحرب العالمية الثانية.
كاتبة وإعلامية سورية