أوربان وحرب الأخلاق

آراء 2024/08/01
...

علي حسن الفواز

يشكّل انتقاد رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان مراسم افتتاح أولمبياد باريس، موقفا أخلاقيا ضد اللائكية الفرنسية، وضد الانهيار القيمي في أوروبا كما يقول، فما جرى من استعراض باذخ ومثير للجدل على نهر السين"، أكد ضعف الغرب وتفككه" وانهياره أخلاقيا، فبقدر ما حاول الفرنسيون توظيفه لإبراز مظاهر التنوع الثقافي والإثني في فرنسا وفي أوروبا، إلّا أن تقديم  استعراضات شارك فيها "المتحولون جنسيا"، مع تقديم لوحات فيها سخرية من بعض الرمزيات الدينية، أخلّ بالقيمة الفنية والتاريخية للمناسبة، وهذا ما عكس وجود تشوهات حقيقية بالتعريف بـ"القيم الأوروبية"، وبأهمية أن تكون حافزا على تمتين الروابط الإنسانية بين الناس كما وصفها أوربان، وفي محفل عالمي يشارك فيه آلاف الرياضيين والإعلاميين، وحتى السياسيين..
هذا "النقد" اللاذع للوزير الأول المجري، ليس جديدا في مواقفه، ولا في تصريحاته السياسية، فبقدر ما تحدث به من مواقف لها علاقة بالأخلاق الأوروبية، فإنه كان الأكثر صراحة في حديثه عن مشكلات الغرب السياسية، وعن الحرب الروسية الأوكرانية، ونقد الغرب لتأجيجها، لتبدو وكأنها حربٌ للمصالح الشخصية، حيث أكد أوربان أن "أوكرانيا لن تصبح أبدا عضوا في الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي"، وأن العالم سيدعم روسيا خلافا لتعليمات الغرب، كما قالت وكالة أنباء نوفوستي الروسية.
هذا التصريح وغيره يضع علامات استفهام حول تماسك مواقف دول الاتحاد الأوروبي، فبقدر رفض الأوروبيين تصريحات أوربان، فإنه تجرأ وقام بزيارة مفاجئة إلى موسكو، وإلى كييف، والتقى الرئيسين فلاديمير بوتين وزيلنسكي، في مسعى لوضع معالجات واقعية لهذه الحرب المفتوحة، التي يُغذيها الغرب بدعم ستراتيجي عسكري ومالي وإعلامي.
كما رفض أوربان استمرار السياسات الراديكالية للاتحاد الأوروبي ضد روسيا، لأنها أضرّت بمصالح بلاده الاقتصادية، وكشفت عن كثير من التعقيدات التي تسببها هذه السياسات، فضلا عن تداعيات الحرب ذاتها على أوروبا اقتصاديا وأمنيا وأخلاقيا، وأنها ستكون أكثر خطورة، بسبب تمدد انعكاساتها على المصالح والعلاقات الدولية، لاسيما مع الصين والهند والدول العربية كما قال
أوربان.
لكن الأخطر في تصريحاته يتمثل بقوله: "إن أوروبا قد تخلت عن حماية مصالحها والدفاع عنها"، بسبب ما حدث من تخريب مقصود في خطوط أنابيب "نورد ستريم"، والسكوت الأوروبي عنه، الذي أضرّ كثيرا بمصالح بلاده الستراتيجية، إذ وصفه بأنه "عمل إرهابي تم تنفيذه بتوجيه من
الأميركيين".