لن تسيرَ لوحدك أبداً

الرياضة 2024/09/02
...

علي رياح


في جلسة حضرت فيها الكرة ومفارقاتها ونجومها وذكرياتها بأكثر مما حضر فيها الشعر والأوزان والقوافي، سألت صديقي الشاعر الكبير الراحل كريم العراقي عن أغنيته (يا أبو رجل الذهب) والتي وُلدت وتألقت على حنجرة العندليب سعدون جابر قبل يوم واحد فقط من افتتاح خليجي 5 في بغداد عام 1979، فكان الردّ: إنها تتحدث عن المنتخب برمته، ومن الظلم للأغنية أن تقترن بلاعب عراقي واحد دون سواه. لا نريد أن نثير دواخل اللاعبين الآخرين في المنتخب العراقي، وربما قد يُوجِد مثل هذا التفسير شرخاً في العلاقة بينهم داخل الملعب وخارجه.. استمع إلى أغنية نادي ليفربول.. لن تسير لوحدك أبداً.. إنها تعني النادي بأكمله جيلاً بعد جيل.
أجبته ضاحكاً وعلى الفور: ها قد وصلنا يا صديقي إلى نقطة خلافنا الجوهرية وربما الوحيدة خلال رفقة طويلة من العمر.
التقطَ العراقي بروحه اللذيذة وطِباعه التي تشي بالفطنة والذكاء ومنح نفسه فاصلاً من الابتسام وأدرك ما كنت أرمي إليه، فهو المُحب في الكرة الإنكليزية لنادي ليفربول يعرف حجم عشقي لغريمه التاريخي اللدود مانشستر يونايتد.. ولكننا بعد لحظات قصيرة عدنا إلى حديث الكرة العراقية وهو الحديث الذي يُمتع كريم العراقي وكان يُخرجه في سنوات المرض من مُكابدة الألم إلى التقاط شيء من الأنفاس.
أذكر أن زميلنا العزيز محمد خلف قال لي خلال وجودنا في الإمارات لدى إقامة كأس آسيا 2019 : إن الجزء الأهم من واجب رفع الهمة لدى (العراقي) أن تحدثه عن المنتخب بكثير من التفصيل، فهو (فاهم) في الكرة ولديه الكثير من الأسئلة، والأهم من هذا أن لديه ما يقوله عن أداء المنتخب.. وقد لاحظتُ انعكاس الحديث في الكرة على ملامح العراقي وعلى معنوياته. وبقدر ما أدخلنا السعادة إلى قلبه في مثل هذا الحديث، فإنه وضع في أنفسنا مقادير مُضاعفة من السعادة لأنه كان يتفاعل ويبتسم على مدى ساعة من حوارنا الودي.
أمس مرّت سنة على رحيل كريم العراقي الذي أبدع عشرات من الأعمال الشعرية والغنائية التي سكنت أعماقنا وستخلد في الذاكرة العراقية والعربية إلى ما شاء الله.. سنة من الغياب تكرّس حضور العراقي في مشاعرنا وأغنياتنا المفضلة، ومَنْ كُتب له الاقتراب من دُنيا العراقي يدرك القيمة الإنسانية المتجلية لهذا الرمز الكبير، فالبساطة طبعه، والدماثة رفيقه مثل ظله، كان يحرص بنفسه على تفقّد أصدقائه حتى وهو في أشد مراحل الصراع الطويل مع المرض.. في السنة الأخيرة، كنت أقول له: ارفق بنفسك يا صديقي، دَع لنا مهمة السؤال عن الحال والصحة ولا تشغل البال، فنحن كلنا بخير!  .
ذات يوم سألت مُبدعاً راحلاً عراقياً آخر هو خزعل مهدي مُلحن أغنية (يا أبو رجل الذهب) عن كواليس ولادة تلك الأغنية، فاستفاض واستطرد ثم ختم بالقول: لا بدّ أن نتحدث عن الشاعر الرائع كريم العراقي وهو فضلاً عن براعته في نَحت الجُمل الشعرية وقوافيها كان لاعباً للكرة، وهو ابن بيئة تتنفس الكرة، أما سعدون فمُتيم بكرة القدم، كان لاعباً موهوباً في ملاعب الحرية قبل أن ينصرف إلى الغناء، كما أنه يحمل عشقاً جارفاً لفريق الزوراء، عشتُ معه ساعات ولادة الأغنية، وكان لديَّ اليقين بأنه يستحضر هذا العشق أثناء البروفات والتسجيل.