إلا واحدة!

الصفحة الاخيرة 2019/06/22
...

 جواد علي كسّار
موضوع هذا العمود يُشعرني بالحرج الشديد، لكن لا بدّ منه لكي لا يستمر التزييف، وما سأذكره من معلومات ومقارنات، يقع في دائرة الوصف، ولا شأن له بإصدار الأحكام، فضلاً عن المتبنيات والقناعات. فعندما نقول إن ((الصباح)) تصدر من بغداد، و (( الأهرام)) من القاهرة، وصحيفة (( كيهان)) من طهران، فهذه جمل خبرية وصفية لا تستبطن أيّ حكم.
والقصة؛ لقد رحل قبل أيام رجل، أراد بعضهم ولا يزال أن يحوّلوه بعد وفاته إلى أسطورة، وما هو كذلك، لذلك اصطدموا بالفراغ؛ الفراغ الفكري والتأريخي والحركي والوظيفي، والرمزي والنفسي؛ الفراغ المطلق في كلّ شيء إلا من كونه إنساناً له وجوده الخاص، وهامش وظيفي يسير رفعه إلى سدّة الرئاسة!
لكي نخرج من هذا الغموض والترميز نلجأ مضطرين إلى المقارنة، باسماء من واقعه وخطّه ومتبنياته ومدرسته التي ينتمي إليها. فهو ليس حسن البنا بامتيازه التأريخي الفريد بتأسيس الحركة، ورمزيته الهائلة وقدراته الفائقة في الجمع بين النخبة والعامة، والدعوة والسياسة، والتنظيم الخاصّ والعام، والسلطة والمجتمع، ومع ذلك فقد سقط البنا صريعاً عام 1949م، ضحية خطأ من أخطاء توازناته هذه، لم يستطع ضبطه!
ولا هو سيد قطب المنظّر الحركي الفذّ، الذي لم يسبقه اليه أحد بجهازه الحركي، وقدراته التنظيرية المتميّزة منهجياً ومفاهيمياً واصطلاحياً، وأسلوبه الساحر، ولم يرتق الى مستواه من جاء من بعده مذ غاب عن المشهد عام 1966م على كثرة الإدّعاءات وطنطنة الألقاب!
فكرياً، ليس هو محمد الغزالي ( ت: 1996م) أو يوسف القرضاوي أو فتحي يكن (ت: 2009م) وقد لا يصلح أن يكون تلميذاً استوعب فكر هؤلاء، وتوفر على هضمه. كما هو ليس حسن الترابي (ت: 2016م) أو راشد الغنوشي، بقدراتهما التنظيرية العميقة ومنحاهما التجديدي المتميّز، أو ببراعتهما التكتيكية في التدبير والتحدّي والاستجابة، حيث استطاع  الأول أن يلعب بمقدّرات أكبر بلد في العالم العربي هو السودان، واستطاع الثاني أن يلتقط بذكائه ومراكمته لخبرات الآخرين، الخيط الأبيض من بين تركيبة معقدة من ألوان الطيف السياسي، ويحافظ على البلد والإنسان، ومن ورائهما حركته في لعبة السلطة المعقدة ببلده تونس، في لحظة من أحرج لحظات التحوّل أبان بداية الربيع العربي.
أخيراً ليس هو في رمزيّته السياسية وأدائه الوظيفي وتجربته على الأرض؛ كمثل مهاتير محمد وهاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي أو رجب طيّب أرودغان، حتى تُقرع له الطبول!
بإمكاني أن أسترسل بسوق الأمثلة والمقارنات، لكن اعتقد أن هذا القدر يكفي في أن نضع حداً للمبالغات وإطلاق الكلمات المضخّمة. قد يعترض بعضهم أنه لم يُمهل بالسلطة إلا أقلّ من سنة، ولو دام به المقام لفعل؟ أقول : ممكن ، لكن لا نرجم بالغيب، بل نحن والواقع.
تبقى فضيلة واحدة للرئيس المصري الراحل محمد مرسي، لا أستطيع أن أمسّها قيد شعرة، وهي أنه كان رئيساً منتخباً، بل الرئيس المصري الوحيد المدنيّ والمنتخب في التاريخ السياسي المصري، وهذه فضيلة حقيقية واقعية، لكن يبدو أن الكتلة الصلبة في بلده مصر ، تستمرئ البقاء تحت وطأة حكم العسكر، وهذا خيارها!