سلام مكي
يقاس مدى تطور وتقدم، أي دولة، بمدى الحماية التي يقدمها النظام السياسي لشعب تلك الدولة، ولعل الحماية القانونية، أهم شكل من أشكال تلك الحماية، حيث ان تعرض مصالح الأفراد والمؤسسات الى التعدي والتجاوز، أمر وارد وطبيعي في ظل تضارب واختلاف تلك المصالح من فرد لآخر..
ومتى ما كان لجوء الفرد الى القضاء يحقق له العدالة، ويساعده على انتزاع حقوقه، يعني بالضرورة أن نظام الدولة، قوي وعادل، وبالعكس، حيث يعاني المواطن من عدم وجود قضاء قوي، يساعده على انتزاع حقوقه بطريقة حضارية، فهذا يعني أن الدولة ضعيفة، وغير قادرة على حمايته..
القضاء الاداري في العراق، وجد ليكون راعياً وحامياً لشريحة واسعة من المواطنين، وهي شريحة الموظفين،
اضافة الى الشرائح الأخرى التي تتعرض لتعد وتجاوز على حقوقها من قبل الادارة.. وهو بهذا يختلف عن القضاء العادي، الذي تمثله المحاكم التابعة لمجلس القضاء الاعلى، في حين ان القضاء الاداري، تابع الى
مجلس الدولة وهو هيئة مستقلة، كان تابعاً الى وزارة العدل، لكن في التعديل الأخير، لم تحدد
الجهة التي يتبع لها.. القضاء الاداري، ويختلف عن القضاء العادي، في أنه قضاء يختص بجانب معين، ويخضع نظام التقاضي فيه الى شكلية معينة، لا يمكن تجاوزها والا ضاع الحق المطالب به.. ومن جانب آخر،
فإن المعمول به في الوقت الحاضر، هو أن هنالك محكمة واحدة للقضاء الاداري، مقرها في بغداد، تنظر في جميع القضايا التي تخص العلاقة بين المواطن وبين الادارة..
ويلجأ إليها المواطنون من مختلف أنحاء البلاد،
وهذا يعني أن محكمة القضاء الاداري، تعاني من زخم كبير وكثرة المراجعين، خصوصاً
ان بعض القوانين، التي عدلت حديثاً قررت ان يكون الطعن بأحكامها أمام محكمة القضاء الاداري، بعد ان كانت محاكم البداءة هي المختصة في نظر تلك الدعاوى.. وان وجود محكمة واحدة في البلد تنظر في دعاوى القضاء الاداري، يعني ان الكثير من الحقوق ستغيب، وستضيع، ذلك لأن كثرة تلك الدعاوى ترغم المحكمة على عدم حسم الدعوى في وقت مناسب، بل تستغرق وقتاً طويلاً، خصوصاً ان تأجيل بعض الدعاوى يمتد الى شهرين.. ومن الملاحظ أن قانون مجلس الدولة في تعديله الأخير، نص على تشكيل محاكم في المنطقة الشمالية ومنطقة الوسط ومنطقة الفرات الأوسط والمنطقة الجنوبية، كما نص على إمكانية تشكيل محاكم أخرى للقضاء الاداري اذا اقتضت الضرورة.. ولكن للأسف لا وجود لتطبيق عملي لهذا النص، الذي يمكنه أن ينقل القضاء الاداري نقلة نوعية،
تساعد على الارتقاء به، نحو انتزاع حقوق المواطنين والدولة
كذلك..علماً ان تشكيل تلك المحاكم لا يكلف خزينة الدولة مبالغ مالية كبيرة، اذ ثمة حلول كثيرة، يمكن من خلالها تشكيل محاكم للقضاء الاداري يمكنها ان تحرر محكمة القضاء الاداري في بغداد من الزخم الكبير بما يمكنها من النظر بصورة أدق في دعاوى وطلبات
المواطنين.
ان محنة القضاء الاداري، تنال من القضاء الاداري نفسه وتنال من المواطن أيضاً، حيث وجود محكمة واحدة للنظر في قضايا مهمة تمس حقوق المواطن في حين ان القانون نص على تشكيل محاكم أخرى، يعد محنة حقيقية، ولابد من توجيه سؤال الى أصحاب الرأي:
لم لا يتم تشكيل محاكم جديدة تطبيقاً لقانون مجلس الدولة؟ ولم لا يطالب المواطن بحقه القانوني في التقاضي أمام محكمة القضاء الاداري او محكمة قضاء الموظفين في مدينته بدلاً من السفر الى بغداد خصوصاً اذا كان من محافظة بعيدة؟ فبعد المسافة بين العاصمة وبين بعض المحافظات يعد سبباً لعدم اللجوء الى القضاء الاداري
عند الكثيرين.