أظن أنَّ أفضل ما يمكن أنْ نصفَ به حكومة السيد العبادي هو أنها حكومة جعلتنا في مواجهة حيتان كبيرة وقوية. لقد كرر العبادي هذا الوصف من دون أنْ يعرف القانون طريقاً لصيد حوت واحد. وحين مضت حكومة العبادي ومجيء حكومة عبد المهدي غادرنا خطر وجود الحيتان لنواجه خطراً آخر غامضاً هو وجود الدولة العميقة.
الآن يتكرر هذا الوصف في أكثر الأحاديث التي نسمعها والتي تشير الى مكان غامض ليس من السهل الوصول إليه وهو مكان توجد فيه دولة عميقة لديها قوة وتأثير في حكومة عبد المهدي. وكمواطن فأنا لا أعيش باطمئنان وراحة حين أسمع من يتحدث عن دولة أخرى أكثر حضوراً من الحكومة التي تسيّر شؤون البلد اليوميَّة.
كما أزعجتني حيتان العبادي أزعجني أيضاً وجود هذه الدولة الخفية التي لا أحد يعرف من أين تبدأ جغرافيتها وأين تنتهي.
هل حقاً هناك خلف الستار دولة تعمل على هواها من دون أنْ تعبأ هذه الدولة بالدولة التي تشكلت بعد الانتخابات الأخيرة. إذنْ هل نصدق ما يقال عن وجود مثل تلك الدولة الغامضة تتلاعب بالمال العام من دون أنْ تخشى أحداً..؟
في الواقع أريد القول هل إنَّ حيتان العبادي غير موجودة لأنَّ فترة ولاية العبادي انتهت من دون أنْ تصطاد شبكة القانون حوتاً واحداً.
وهل يمكنني القول كذلك إنَّ الحديث عن دولة متخفيَّة عميقة موجودة في مكان ما هو مجرد حديث غير دقيق لأنَّ الصدام بين دولة رئيس الوزراء الحالي وتلك الدولة الخفية لم يقع حتى هذه اللحظة.
أنا في حقيقة الأمر أودُّ أنْ أفهم صورة السياسة كما تمارس عندنا في ظل هذا النظام الديمقراطي.
ربما يكون حديثُ وزيرٍ من الوزراء عن تدخلات بعض النواب في عمله كتقديم طلبات لتعيينات يريدون من الوزير أنْ يوافق عليها إشارة واضحة لشيء ما. وفي حال رفضه فإنَّه سيعرض نفسه للاستجواب.
في مثل هذه الحالة علينا أنْ نفكر ألف مرة بأنَّ هناك إرادة تريد أنْ تفعل ما تشاء. لكنَّ موقف الوزير الذي يعلن للناس أنه صادف مثل هذه الحالة الغريبة يعدُّ في نظري موقفاً جيداً لأنَّ الدولة تبنى بروح التعاون والعدالة قبل كل شيء.
مثلٌ آخر تداولته مواقع التواصل وهو حديث السيد المالكي عن اتصالات مع ثلاثة وزراء يطلبون منه أنْ يتصل بأشخاص معينين كي لا يتدخلوا بعمل أولئك الوزراء. ويبدي المالكي انزعاجه من بناء الدولة بهذه الطريقة. كما أنَّ الوزير الذي يكون وزيراً بلا كلمة الى هذا الحد كيف سيقدم خدمة لمواطنيه.
أظن أنَّ هناك حالة غير مريحة يحسُّ بها المسؤول النزيه, ويحسُّ بها المواطن العادي الذي يبحثُ عن فرصة عمل تنقذه من واقعه الصعب.
أظنني متشائم جداً من أية إشارة الى دولة عميقة تعمل كجرثومة كل شيء.