عماد حرب */عن مجلة فورن بولسي ترجمة : الصباح
أعلنت الإمارات العربية مؤخراً أنها سوف تقوم بسحب جزء على الأقل من وحداتها العسكرية في اليمن، مشيرة الى وجود مشاكل جدية تعتري علاقات هذا البلد مع السعودية.
جاء هذا الاعلان في 8 تموز حين أشارت دولة الامارات العربية الى أنها سوف تغير ستراتيجيتها المتمثلة بـ”القوة العسكرية أولا” لتتبنى نهجاً أكثر دبلوماسية. قالت الإمارات ايضاً انها سوف تقلص عدد جنودها في المنطقة، وقد أكد مسؤول يمني هذه الانباء مشيراً الى أن الجنود الإماراتيين قد بدأوا بالفعل عملية “إخلاء تام” لقاعدة الخوخة العسكرية التي تبعد نحو 130 كيلومتراً الى الجنوب من مدينة الحديدة الواقعة على ساحل البحر الأحمر. إلا أن المسؤولين الإماراتيين أكدوا أنهم قد ناقشوا مسألة انسحابهم مع السعودية في السنة الماضية واضافوا انهم لن يتركوا فراغاً وراءهم لأن الإمارات قد درّبت ما يقارب 90 ألف عنصر من رجال القبائل اليمنية وأفراد الاجهزة الأمنية السابقة وعناصر الميليشيات من مناطق الجنوب، وهؤلاء قادرون على سد الفراغ.
أما السعودية فلم تعلن عن موقف محدد ازاء الانسحاب، ولكن تقريراً لصحيفة نيويورك تايمز أفاد بأن المسؤولين في الرياض حاولوا التدخل لدى الزعماء الإماراتيين لثنيهم عن الانسحاب وعندما فشلت هذه المساعي تولت القوات السعودية مؤخراً السيطرة على قاعدة الخوخة وميناء المخا الى الجنوب منها. كذلك أرسلت الرياض قوات الى مدينة عدن الجنوبية وجزيرة بيرم المحاذية لها في ممر باب المندب الستراتيجي. كسب هذه المناطق والاحتفاظ بها كلف الامارات خوض معارك كبيرة، لذلك فإن رحيلها أخطر مغزى في الواقع مما توحي به التصريحات الأولية.
هناك مشكلة أخرى تتمثل في أن رحيل الإمارات سوف يترك وراءه تنافساً وصراعات مستقبلية محتملة بين الميليشيات المختلفة التي كانت تدعمها وترعاها ضمن مناطق سيطرتها. ففي مطلع آب تولى المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي، الذي أقاله الرئيس عبد ربه منصور هادي في العام 2017، مهام المحافظ في عدن وهو يفكر في اثارة قضية الانفصال.
قد تواجه الرياض وقتاً عصيباً وهي تحاول استيعاب رغبات المجلس والتوفيق بينها وبين إدارة عمل الميليشيات الاخرى التي تدعمها الامارات، كقوات الحزام الأمني من امثال قوات النخبة الشبوانية والحضرمية، التي تعتبر اسمياً جزءاً من الجيش اليمني، وكتائب العمالقة السلفيين وكتائب أبو العباس. لقد كان السبب الظاهري الذي قدمته السعودية لتبرير تدخلها في اليمن هو اعادة الرئيس هادي الى السلطة ومساعدة اليمن على استعادة وحدته، لذلك فإن اعترافها بخصومه في الجنوب والتعاون معهم سوف يقوض الحجة السعودية التي استندت اليها في حربها ويضر بمصداقيتها.
هذه الحقائق المقضة تلح في طلب الإجابة على السؤال الآتي: لماذا قررت الامارات الخروج أساساً؟ هناك عدد من الاحتمالات.
الاحتمال الأول هو أن الامارات العربية، التي أخذت تعاني من تباطؤ اقتصادها الداخلي، قد قررت أخيراً إعادة التخندق في معركة انتهت بشكل واضح الى وضع جمود لا غالب فيه ولا مغلوب بوجه عدو عنيد. كذلك فإن الميليشيات المتحالفة معها، حسب تقديرها، لديها القدرة للسيطرة على الجزء الجنوبي من اليمن، كما أن السعودية رغم كل شعورها بالضيق لن تسعى لحرمان الامارات من استخدام المنشآت البحرية في المنطقة، التي تعد العمود الفقري لتحقيق هدفها الستراتيجي بالسيطرة على القواعد البحرية من المحيط الهندي الى البحر المتوسط. ومهما بلغ غضب صانعي القرار السعوديين بسبب انسحاب الامارات فمن المستبعد أن يمنعوا الامارات من استخدام المنشآت اليمنية نظراً لحاجتهم الى دعم أبو ظبي لهم بوجه إيران وفي خلافهم المستمر مع قطر.
أبعد من هذا أن مصالح الامارات سوف تبقى متحققة عموماً إذا ما أدى وضع الجمود الذي ذكرناه الى تقسيم اليمن. وإذا ما تمكن الحوثيون من السيطرة على اجزاء من شمال اليمن، مهيئين بذلك موطئ قدم لإيران فيها مستقبلا، فإن التهديد الذي قد تتعرض له الامارات، البعيدة جغرافياً، سوف يبقى محدوداً. في الوقت ذاته أن قيام يمن جنوبي مستقبلا يحكمه سياسيون وقوات جميعهم موالون للإمارات سوف يبقى محتاجاً الى مساندة أبو ظبي له ومن المرجح أن يمنحها منفذاً مفتوحاً غير مقيد الى منشآته وأراضيه.
من ناحية اخرى تشعر الامارات، التي يتولاها قلق عميق من التحدي الإيراني في الخليج، أكثر من أي وقت مضى بضغط الحاجة لتأمين جبهتها الداخلية. في الماضي كانت الامارات تتوهم أنها تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة لمساعدتها على احتواء إيران، ولكن بعد تراجع الرئيس “دونالد ترامب” عن ضرب إيران عقب اسقاطها طائرة التجسس الأميركية اصبحت الامارات تفضل لملمة جنودها وسحبهم الى الداخل أكثر.
كذلك يشعر القادة الاماراتيون بالحرج الشديد من الانتقادات القوية التي توجه الى الامارات والسعودية في اروقة الكونغرس الأميركي بسبب الفظائع المرتكبة بحق المدنيين في اليمن. فقد مرر مجلسا النواب والشيوخ قانوناً يقيد ارسال الاسلحة الأميركية الى هاتين الدولتين، ولكن حق النقض الذي استخدمه الرئيس ترامب هو الذي أبقى امدادات تلك الاسلحة لأبو ظبي والرياض مستمرة الى الان. على المدى الطويل سيكون الانسجام مع الكونغرس ضرورة حيوية لدوام العلاقات الاماراتية الاميركية.
كل ما سبق يقدم مبرراً واضحاً للانسحاب، ولكن أياً تكن حقيقة الاسباب التي تكمن بالضبط وراء قرار الامارات بالخروج من اليمن هنالك أمر واضح لا لبس فيه، وهو أن السعودية قد علقت في مأزق، فهي لا تستطيع مواصلة تورطها في اليمن إلى ما لا نهاية دون شركاء يمتلكون القدرات العسكرية، مثل الامارات، كما لن يمكنها التراجع ببساطة والخروج من هناك لأن هذا سيرقى الى مستوى الهزيمة الستراتيجية المعلنة التي توطد وضع الحوثيين حلفاء إيران في مناطق شمال اليمن.
بعد كل ما قلناه لا يعود صعباً على المرء أن يتصور السعودية وهي تعيد التفكير في علاقتها بجارتها الأصغر، وهذا سيرتد بعواقب سيئة تضر بالمصالح الاماراتية. فالإمارات، بسبب كونها دولة صغيرة، تحتاج الى مساندة المملكة في جبهتين على الأقل: مواجهة التحديات داخل مجلس التعاون الخليجي، مثل قطر وعمان، والتصدي لنشاطات إيران في منطقة الخليج.
* مدير الابحاث والتحليل في المركز العربي بواشنطن