يتفق الأطباء على ان وجبة العشاء الدسمة لها مضار كبيرة على الإنسان، سواء فيما يتعلق بالجانب الصحي ، ام على مستوى الكوابيس والأحلام المزعجة التي يتعرض لها أثناء نومه ، ومع علمي بهذه الحقيقة، إلا أن الدعوة التي تلقيتها من صديقةٍ ، آية في الجمال والأدب والثقافة – كانت أول حب في حياتي ومشروع زواج متفق عليه بيننا أيام الدراسة الجامعية لولا أحكام الظروف القاهرة – جعلتني اضرب الأطباء ورأيهم وشروطهم عرض الحائط ، فقد كانت الجلسة التي ضمتني معها ومع زوجها ، وهو انسان بمستوى الاحترام الكبير ، تعد واحدة من امتع جلسات عمري ، وقد جاءت الدعوة بمناسبة بلوغ صديقتي عامها الثالث والستين ...
امتدت سهرتنا المنزلية إلى مابعد الواحدة ليلاً ، وكانت الاجواء موشومة بالمرح والضمان وتناول الاطعمة والفواكه والحلويات بدون حساب ومن غير ان نقيم وزناً لاعمارنا ، ولعل اجمل مافي تلك الليلة ان السيدة الفاضلة تعاملت معي مثلما كانت تتعامل منذ زواجها ، على انني بمنزلة الاخ ، ولم اكن انا يشهد الله انظر اليها منذ زواجي الا باحترام كبير واخوة صادقة ..
على أية حال حدث ماكنت اعرفه ، فما إن استلقيت في فراشي وخلدت إلى النوم ، حتى أخذتني الأحلام كيفما تريد ، فمن حلم رومانسي الى حلم لايصلح للنشر ، ومن كابوس مرعب إلى كابوس أكثر رعباً ، ومن بين هذا الخليط غير المتجانس من الاحلام والكوابيس ، لم تحتفظ ذاكرتي الا بآخر حلم ، وهو امر طبيعي ، فقد رأيت فيما يرى النائم ، انني احضر اجتماعاً للبرلمان بصفتي نائباً – لايوجد عراقي واحد لم يحلم ان يكون نائباً الا النائب – وكنت نائباً عن بغداد ، ومنتخباً من قبل سكان محلة ( الشواكة) ، والحقيقة فقد هالني ما سمعت من طروحات ومناقشات وحوارات ومعارك كلامية عنيفة – حمدتُ الله لاحقاً لانها كانت في الرؤيا – ولكن المهم في ذلك الاجتماع البرلماني ، ان احد النواب طالب بحماسة لاعلان قضاء ( الشامية) محافظة ، وتحدث طويلاً عن تاريخها ومساحتها وحدودها وشهرتها في انتاج افضل انواع الرز المشهور باسم ( عنبر الشامية ) ..الخ وحين انتهى هذا النائب عن الديوانية من طرحه ، انبرى للحديث نائب عن الناصرية لم يكن اقل حماسة من زميله (الديواني ) وهو يطالب بجعل ( سوق الشيوخ) محافظة بدلاً من قضاء ، واسهب في الكلام عن خصائص هذا القضاء الثقافية والنضالية والفنية ..الخ ، ولم يكن الحال على نحو آخر بالنسبة لنواب المحافظات الأخرى ، ورأيت من واجبي الظهور بمظهر البطل فطالبت بجعل محلة الشواكة ( اقليماً ) وليس محافظة ، وتحدثت عن اسواق الشواكة وحدودها التي يمكن ان تمتد مابين العطيفية وكرادة مريم ، وانها تضم مبنى الاذاعة والتلفزيون ووزارة العدل والمنطقة الخضراء ونقابة الصحفيين ...الخ ، وحظيت مطالبتي بتأييد واسع ، لولا ان احدهم سألني عن نزلاء المنطقة الخضراء ومصيرهم ، فأجبته بواقعية [ يبقون في منازلهم على ان يدفعوا الإيجار لحكومة الإقليم وإلا يتم أبعادهم ] ولا ادري لماذا حدث هرج ومرج وتعرضت إلى الضرب والطرد من القاعة ، فاستيقظت مرعوباً .. وسرعان ما اكتشفت ان هذا الكابوس المزعج لاعلاقة له بالعشاء الدسم ، بل لأنني تجاوزت الحدود ، وهذا أمر غير مسموح به حتى في الحلم !!