أفـكـار فــي حـــل النزاعــات

العراق 2019/08/06
...

منى الحسين 
الساعة التاسعة مساءً في اليوم الأول من شهر تموز 2017.
يا إلهي انه الشهر الاكثر دموية باحداثه الصاخبة والاعمق تجاعيدا بين كل الشهور. وصلت للتو الى فندق بابل وجلست في الحديقة انتظر صديقاتي. بعد نهار شاق بين الخيم المتهالكة وبين عيون المحرومين من الاستقرار لأسباب كثيرة، المدن المهدمة والالغام المنتشرة. الكثير من الاسباب الخاصة وغير الخاصة، كنت اجلس مع الكثيرات على الارض الترابية واحيانا اجد حصيرا لاجلس عليه وانظاري تلاحق ذلك الفتى الذي يحاول الهروب من واقع مؤلم.
- متى وصلت. زينب قطعت سلسة افكاري والتفت اليها آه.. انها تحمل بين كفيها عشرات الصاعدين الى السماء واقربهم الى قلبها ولدها الذي فقدته بحرب التحرير المستمرة بجلبابها المؤلم  حقا. لست السبب ، ألا ترين كل اؤلئك الموجوعين والمحرومين وكل ذلك الدمار؟. لست انا يازينب ابدا لكنها طلبت لي فنجان قهوة معها وبدأت تتحدث عن الانتصارات المتحققة ولم تبال بافكاري وكانت اقرب الى الشجرة الوارفة خلفها على يمين الكرسي خفت المدربة سارة المسيحية الجميلة ذات شعر الاشقر خطاها ،مر عليها ما نعانيه انا وزينب ولا حتى سيلينا التي لا تسترسل الحديث معي ابدا اعلم ان هناك ألما بين انياط قلبها وجعا لشنكال كلها  لم اتطرق الى اي حديث معها. كنت معتقدة بان الحرية التي تتمتع بها سبب الحاجز الذي بيني وبينها او قد ترى اني من قرية لا اصلح لمكان تكون هي فيه هنا بين الاشجار الوارفة وعلى انغام فيروز ومنظر الحدائق الجميلة وخلفي حوض اسماك ترتطم كل سمكة فيه مع اقترابها من زجاج الحوض اجلس بقربها واتمعن طلبها لحرية اكبر واكبر لكني هنا اتمتع باقل الحريات مع رفيقاتي اللواتي وصلن من خمس محافظات انها من قلب  سنجار. احاول ان اقترب منها اكثر لاعرف الاكثر عن حجم معاناة تلك القرية التي شحب لونها واختار لها القدر ان تموت فوق جثث محبيها وان تنسى دعواتها على قبر البنت الذي عقدت عليه الاف الامنيات من عشيقين وام فقدت ابنها اوحتى ابسط الامنيات لكنها لم تجبني على اي سؤال. عدت الى زينب التي  تحتضن بين كفيها عشرات الشهداء  انها هنا لاجل ان يكتب سلام ما بيننا. ما زلت احمل الاف الضحايا من الاطفال الايتام ومجهولي النسب وتحت وسادتي كل المخيمات التي بنيت على اساس طارئ وظلت قائمة لاتعرف السبيل الى نهاية كان احدها قد نشبت النيران في احدى خيمه لتعبر ارملة معها خمسة اطفال تعيلهم عن معاناتها الكبيرة لا اعلم ما الذي حدث بالضبط او ما يحدث. الامور معقدة جدا والارهاب قد حط مخالبه على رقاب الابرياء. كانت زينب الاكثر حزنا بينما سيلين تحاول ان تكون الاقوى حتى وان كان وطنها قد سلب منها وعاد ومعه الاف القصص المرعبة والحزينة فبنطال الجينز والقميص السمائي وربطة قد ربطتها حول عنقها بشكل ملفت للنظر وحركاتها تؤكد انها لاتبالي وانها قد تعلمت المضي قدما مهما كانت النتائج. عاودت اسئلتي وبدأت بقصة احد اقاربي الذي عشق ازيدية وحال من دون زواجهما الاعراف والدين. كيف يموت عشق بهذه الطريقة البشعة. نظرت الي: 
- داعش ليس  هو كل المسلمين.
في تلك اللحظة عادت لي الثقة 
- على الجميع ان يعلم اننا الاكثر تأثرا في الإرهاب. لكن المدربة سارة قطعت الحوار وهي تنادي.
- دقيقة واحدة تفصلنا عن التدريب. دقيقة واحدة. التدريب بشأن تحويل النزاع الى سلام ودورنا قياديات لبناء السلام. 
حملت حقيبتي ومشيت نحو قاعة كلكامش القاعة التي توحي اليك بعظمة الوطن.
كانت اكثر من ثلاثين امرأة من مناطق مختلفة. سوزانا مسيحية عرفتها وهي تشرح للمدربة كيف تمت مصادرة دارهم لانهم لايدفعون الجزية حتى اطلقنا ضحكة عالية يتخللها الحزن والشك عما يحدث في ظل العولمة من جهة والتفكير المتطرف والتكفير من جهة اخرى دار سجال طويل لكن كل واحدة منا تلتزم برأيها الخاص وتحاول ان تكون هي الضحية بينما الضحية كل الوطن فالانتهاك التي تعرضت له سيلين من ابشع الانتهاكات اما سواد ثياب زينب فهو يتحدث عن حجم الكارثة وانا التي احمل على كتفي وجه البؤس كله وسوزانا لابد ان تدفع الجزية.
هنا بدأت سارة بحركات جسدها الخفيفة بالتدريب عن دورها سلم دائم. السلام  لابد ان يغير ثوب زينب ويضع بعضا من همومي جانبا وان يجعل سيلين اكثر قوة وصلابة لاشراك اوسع لجميع فئات المجتمع فالسلام لشريحة واحدة من دون اخرى. انهت سارة التدريب وقد خفت حدة التوتر بين المشاركات وبدأن بصياغة استراتيجية سلام  ليكون دوري وسيلين وزينب “سلم دائم” هكذا بدأنا لكننا لن ننتهي الا وقد حطمنا قيود النزاع وتستمر تلك المرحلة التي جعلتنا بقوة وتماسك.