سامر المشعل
انتشرت ظاهرة الغناء فوق سطوح المنازل في الاحياء الفقيرة والشعبية قبل أكثر من اربعين سنة، ولم تكن انذاك إقامة حفلات الاعراس والحناء وبعض المناسبات المفرحة على سطح البيت، بالامر المستهجن والغريب، مثلما نحكم عليه الان.
كان السطح هو الفضاء الارحب والمساحة الاكثر اتساعا لهكذا مناسبات في الاحياء الفقيرة مثل مدينة الثورة سابقا ومدينة الصدر حاليا والشعلة في بغداد، وكذلك في عدد من المحافظات، نظرا لضيق المكان ومحدودية البيت وغرفه الصغيرة التي لا تتسع لهذه المناسبات، فاتجه الناس الى سطح الدار لاقامة حفلاتهم.
لم تكن قاعات الاعراس والنوادي الاجتماعية متاحة مثلما هي الان، ولم تتسع مخيلة ابن الاحياء الفقيرة انذاك الى هكذا عوالم، فكان السطح أو الشارع، هما المجال الحيوي الذي يسرح فيه الفرح مع الاحباء والاصدقاء والاقارب والجيران.
لا تخلو ذاكرة الافراد الذين عاشوا فترة السبعينيات من القرن الماضي، من ذكريات ومغامرات على سطح البيت، وتختبئ في مخيلتهم اطياف حكايات غرام مع بنت الجيران وغزل عيون وشفاه نطقت ببراءة أو مجون.. ليس هذا وحسب، بل كان السطح هو ملاذ المتعبين من الفقراء بعد نهار شاق امضاه في العمل، فيأوي الى واحته يستريح باغفاءة نوم معافى على سطح الدار، بعد أن يتم رشّه بالماء مساءً ليكون أكثر برودة ورطوبة من جدران الغرف الجافة.
وكم تطلعت عيوننا ونحن مستلقين قبالة السماء، تتنقل بين النجوم متأملة برومانسية تارة، وبأسئلة وجودية تارة أخرى عن مصدر هذا الكون المتناهي؟؟.. حتى صرنا نعرف “خوات نعش” والنجم القطبي ونميّز بين النجم والقمر الصناعي والنيازك الساقطة..
العرس فوق السطح فيه حميميّة ويحد من دخول المتطفلين ويختصر الفرح على من تريد ان يشاركوك الفرحة، اي بمعنى دعوة خاصة، ومع ذلك لا يخلو من بعض الحشرية والزاحفين.. ترقص “تبزخ” وتغني وتحتسي ما شئت وتعبر عن فرحتك بحرية مع اصدقائك ومحبيك.. ويحيي الحفل عادة مطرب شعبي من المنطقة أو مطرب معروف لا يترفع من الغناء على سطح الدار، لانه من ذات الطبقة الفقيرة وهدفه اسعاد الناس اينما كانوا، وقد احيى حفلات السطوح الكثير من المطربين الشعبيين والريفيين امثال جبار ونيسة وسلمان المنكوب وعبادي العماري ونسيم عودة وعبد الواحد جمعة وحسين سعيدة وحسين البصري واخرين.
اصداء الحفلة عادة ما تدفع فضول الجيران من التفرج على مجريات الحفل، من سطوح البيوت المجاورة، ويتبادل العشاق رسائل سرية بأن موعدنا السطح، وعندما يعرف المدعو ان حبيبته تراقبه من السطح الاخر، يتألق باستعراض “بزخي” تهتز له اركان البيت.
