شيعة العراق وسنته !!

الصفحة الاخيرة 2019/08/18
...

حسن العاني 
- 1 -
الشيء الذي لايراودني الشك فيه ، أن ذاكرتي التي تمتد إلى أوائل العقد الخمسيني من القرن الماضي ، وتعي بوضوح طفولي مئات الأحداث ... تحتفظ بلقطات واقعية،  ظريفة ومشرقة وشديدة الوضوح ، ولم تكن ذاكرة المراهقة والشباب والرجولة والشيخوخة على نحو آخر ، الصفاء نفسه ، ونفسها الصور المشرقة برغم عاديات الزمن والأجواء المغبرة والأيادي التي تلعب في الخفاء ...
مابين محلات ( النواب) الكظماوية والرحمانية والجعيفر ، وبين مدرسة الفتوة الابتدائية للبنين ومدرسة الكرخ التي ابتلع شارع حيفا أبنيتها القديمة تفتحت بواكير طفولتي وفتوتي الأولى ، وكان صبيان المحلات الأخرى ، أعني جيل هذا العمر وهذه المرحلة من تاريخ العراق قد جمعتهم أو جمعتنا لغة العصر وهويته ... حيث نشارك في مواكب عاشوراء ، نرفع الاعلام ونلطم على صدورنا العارية بحماسة غريبة، وكأننا في مباراة للفوز بجائزة افضل من يضرب صدره .. ولكن المشهد برمته مشفوع بإحساس المتعة الكبيرة التي تناسب أعمارنا الصغيرة ، ولم أكن اعرف إن كان الذي إلى يميني أو يساري أو أمامي أو ورائي هو من ( اخوتنا) العرب الشيعة  أم من " اخوتنا " العرب السنة ، وليس في ثقافة البيت ولا المحلة ولا الشارع ولا المدرسة من يتحدث بهذه اللهجة المقيتة ، وكنا كذلك باندفاع اعمار الابتدائية نستمتع بالتنقل بين طقوس عاشوراء والمولد النبوي الشريف وزكريا و (دورة السنة) ، واسرتان من سكان الطرف تحلقان الآن بذاكرتي نحو سماوات الفرح الذي لايغادر روحي منذ ستة عقود ، الأولى مسيحية والثانية صابئية، كان أولادهما معنا من غير ان نستغرب مشاركتهم طقوسنا ، أو نسأل عن طبيعة علاقتهم بالإسلام والمسلمين ... نسيج اجتماعي مذهل هو الذي جعلنا بالمقابل نشاركهم أيامهم ومناسباتهم وطقوسهم ، من دون ان يستغربوا أو يسألوا عن طبيعة علاقتنا بالديانة المسيحية أو الصابئية .. ذاكرتي تُقسم بالله ثلاثاً : أن عراقيتنا عبرت الحدود الدينية والمذهبية والقومية .. كانت تلك ( العراقية) هي الخيمة التي تتآلف تحت سقفها الواسع مسارات المذاهب والأديان والقوميات والأماكن والعشائر ، ولابد إن هذا المفهوم كان أكبر من وعينا وإدراكنا وأعمارنا ... ولكنه على هذا النحو الجميل .
في زمن المراهقة وبداية الشباب والتشظي بين اهواء اليمين واليسار والدين والماركسية والوجودية والقومية والفوضى الفكرية ، كنا في هذه المرحلة أو تلك نتحول الى رجال دين من غير عمائم ، والى حمامات جامع ، ويستغرقنا الالق الروحي ، وأحلى مافي ذلك الايمان الشفاف ، إن (بيوت الله الشيعية) مطرزة بالأيدي المعقودة على الصدور خشوعاً ، و (بيوت الله السنية) مطرزة بالأيدي المبسوطة إلى الجانبين خشوعاً ، وربما كان الأحلى والأبهى إذا حلّ رمضان ، فعلى الدوام كانت    (صحون الإفطار السنية) تتوجه الى فقراء الشيعة والسنة ، و (صحون الإفطار الشيعية) تذهب الى فقراء السنة والشيعة ، ولاتستذكر ذاكرتي إن مجلساً من مجالسنا الثقافية والسياسية دارت فيه نقاشات مذهبية ، وإذا ورد اسم السنة والشيعة فلا يتعدى حكاية ظريفة أو طرفة .. فما الذي جرى على أيامنا ؟! وللحديث
 صلة ...