الشرف والمبادئ!

الصفحة الاخيرة 2019/08/23
...

حسن العاني 
 
تعد الفرق الشعبية في كرة القدم ابرز ظاهرة على المستوى العالمي ، فمن هذه البدايات (المبكرة) يأتي لاعبو النوادي والمنتخبات ، ولذلك تُعنى العديد من الدول برعايتها وتوفر لها الكثير من وسائل الدعم ، وفي مقدمتها الملاعب الرياضية ، وها نحن أولاد الجعيفر الكرخية في النصف الاول من خمسينات القرن الماضي ، نقرر تحويل هوسنا الكروي الى ( فريق شعبي منظم) ، وكان لنا ما اردنا ، واتفقنا على ( الملاك الطائر) اسماً للفريق ، ولا خلاف على ان الملابس الرياضية والأحذية والكرات والحقائب تمثل مشكلة صعبة على قدراتنا المالية ، ومع ذلك انتصرنا بعد ان اخترنا ثلاثة منا يتوجهون إلى أصحاب الجيوب المانحة من رجالات المحلة، وقبل ذلك إتباعنا سياسة شد الأحزمة على نفوسنا الدنيئة عما تشتهي وتحب ، وبدأنا نجمع (يومياتنا) ، وما هي إلا بضعة أشهر حتى استطعنا تجهيز (14) لاعباً من أصل (21) بكامل التجهيزات ، وماهي إلا بضعة أشهر أخرى إلا وانتهينا من تجهيز الفريق كله ..
كانت أعمارنا يومها متقاربة جداً ، فجميعنا طلاب المرحلة الإعدادية ،ومع ذلك سبقنا الأصابع البنفسجية وأجرينا انتخابات نزيهة، وتم اختياري بالإجماع لرئاسة الفريق وتولي الجوانب الإدارية والحسابية في الوقت نفسه ، وقد أبليت بلاء حسناً في مهماتي ، مع انني لم اكن كذلك على مستوى اللعب ،وغالباً ما كنت اجلس على مسطبة الاحتياط باختياري ، تاركاً المجال لمن هو أفضل مني (هذا السلوك الأخلاقي ممكن في الرياضة ولكنه مستحيل في السياسة ) ، ولعل هذا هو احد الأسباب التي أكسبتني حب اللاعبين واحترامهم !
حين أصبح كل شيء جاهزاً ، عقدنا اول اجتماع (تاريخي) لنا ، تعاهدنا فيه واقسمنا (بشرف المبادئ الرياضية والأخلاقية) على ان نكون مخلصين للفريق ، ولا نبخل عليه بجهد ولا نتآمر عليه ولا نتركه ولا نخذله ابداً ... وهكذا بدأنا نتدرب ساعتين كل يوم ، وسرعان ما تطور الفريق ، وظهرت فيه مواهب فنية مذهلة، كان ابرزها قلب الهجوم (احمد فتحي) ، ذلك اللاعب المراوغ القادر على اختراق دفاعات الخصم بمهارة عالية وسهولة لافتة للنظر ، مع امكانية استثنائية على تسجيل الاهداف من أصعب الحالات ، ثم كان ما كان من امرنا ، فبعد زمن يسير على ولادة الملاك الطائر ، شاركنا في دوري فرق الكرخ الشعبية ، واستطعنا تحقيق الفوز في تسع مباريات والتعادل في مباراتين ، ووصلنا الى المباراة النهائية على كاس الدوري ضد فريق (السهم الخارق) ، وكان احمد فتحي الذي تصدر هدافي البطولة وراء
انتصاراتنا...
لم يكن الفريق الخصم هيناً، وسبق له الفوز بالبطولة ثلاث مرات ، بينما نشارك نحن للمرة الأولى ، غير أن الأمر المحرج الذي حدث قبل موعد المباراة بيوم واحد ، ان والدة احمد فتحي ، وهي امرأة طيبة وساذجة قصدتني وسلمتني حقيبة ابنها قائلة [ يمه هاي الجنطة مال احمد وبيها هدومه والبسطال ، لان ابوه حلف يمين ميخلي يلعب طوبه من شافه سقط بالامتحان ] ، قلت لها [ خاله لعد وين القيم والشرف والمبادئ الرياضية ؟ ] أجابتني على الفور [ يمه موجودات كلهن ويا البسطال !!] ، كم ضحكت أيام مراهقتي ... وكم بكيت ايام 
شيخوختي ...