منْ أفضل الشعارات التي رفعها المتظاهرون العقلانيون والسلميون هو «نريد وطناً». ذكرت ذلك في تغريدة لي فجاءتني الردود بأن الوطن موجود لكن المشكلة في النظام السياسي والفساد و..... الخ.
الوطن ليس أرضاً، ولا تراباً، بل هو الذي يصفه الإمام علي بانه «ما حملك» وهو خير الأوطان.
أتذكر دائماً قول صديقي الخليجي الذي يعاني تمييزاً في بلده بسبب انتمائه، لكنه مع ذلك يرفض أي تدخلات خارجية للتحريك ضد حكومة بلاده، يقبّل جواز سفره، وينظر الى علم بلاده بفخر وهو يقول: «تسلم لنا». حينها اعتبرت الأمر تناقضاً في السلوك عنده لكن اعتقادي هذا تبدد عندما أجابني بالقول: نحن نعيش في رغد وأمان، الخدمات الأساسية والكمالية متوفرة، أولادي حصلوا على أعلى الشهادات من أميركا وأوروبا على نفقة الحكومة، مستشفياتنا متطورة ولا نحتاج الى سفر للعلاج، ومع ذلك تدفع الدولة لمن يفضّل العلاج في الخارج، مدارسنا متطورة في امكانياتها ومناهجها لدرجة أن ابناءنا لا يملّون من طول البقاء فيها، خارج بلادي فان جوازي يتيح لي الدخول الى أغلب الدول دون فيزا، وهناك تسهيلات لنا فرضتها دولتنا على الدول الأخرى، فلماذا اعارض ولماذا ارحب بمن يستهدف الحكم عندنا رغم عشرات الإشكالات التي لنا عليه، وأجازف بما لدينا؟.
دعونا نطبق كلام هذا الصديق الخليجي على واقعنا. ماذا لدى الانسان العراقي مما يملكه هذا المواطن الخليجي؟. بالتأكيد لا شيء؟. أليست هذه مقومات المواطنية؟ أليست كافية لمن يملكها أن يدافع عن وطنه وحكومته، ولمن لا يملكها أن يخرج صارخاً معتصماً مطالباً بوطن؟. لماذا نلوم من يحاول استثمار هذا الواقع لتحقيق أهداف سياسية له؟ أليس غياب المتطلبات الإنسانية الأساسية بيئة حاضنة للاستثمار السياسي من الاخرين؟.
المتظاهر السلمي يريد حقوقه ليشعر بأنه في وطن، حتى المخرّب عن جهل هو ضحية هذا الغياب عن حاجات الناس والانشغال بالسرقات وتكديس المال الحرام بينما الناس تبحث عن عيش آمن كريم بعمل مشرّف وطبابةٍ تغنيه عن بيع بيته للعلاج في الهند وتعليم يجعله يواكب العالم وجواز سفر يقبّله كلما شهد الاحترام والتقدير والتسهيل في مطارات العالم.