نار تحرقنا!

الثانية والثالثة 2019/12/15
...

سالم مشكور

جريمةُ الوثبة ليست الأولى في ساحات التظاهر، لكنّها الأبشع. قبلها خُطِف ناشطون أو اغتيلوا وأجهزة الدولة لا تحرّك ساكناً ولا تتدخل لوقف جريمة أو تخريب للممتلكات خوفاً من اعتراضات سفارات غربية ومنظمات دولية. التخريب يتسع، وهيبة الدولة والقانون لم يبق منها شيء، ومطالب المتظاهرين الحقيقيين تكاد تذهب أدراج الرياح بفعل ممارسات جمع من القتلة والمخربين من مجهولي التوجيه والتمويل.
الغريب أنّ سفارة دولة مثل بريطانيا تعترض على عنف مارسته القوات الأمنية ضد محتجين في ظروف يختلف عليها المعنيون، تتجاهل السفارة مقولة أحد رؤساء وزرائها السابقين: “إذا تعرض الأمن الوطني إلى الخطر فلا تحدثني عن حقوق الانسان”، فضلا عن كون موقفها تدخلاً في الشؤون الداخلية.
موجة الاحتجاجات المطلبية دخلت على خط استغلالها أكثر من جهة خارجية وداخلية، كل لهدف خاص به. الداخلي ينقسم بين مراقب ينتظر الحصاد وآخر يركب الموجة ويستغل الحراك لسرقة المزيد ليس المال فقط بل من المواقع والمناصب. الخارجي يريد في معظمه تحويل العراق إلى ساحة صراع ضد ايران، عبر تأجيج كراهية شعبية عراقية لإيران، وجعل الأخيرة العدو الرئيس في رأي العراقيين. هذا الأمر يتم باستنهاض أحقاد قديمة كانت الحرب العراقية الايرانية أحد أبرز مفاعيلها. تلك الحرب اللعينة التي قضت على مئات آلاف الشباب العراقيين فضلاً عن مثلهم من المعاقين والجرحى والأرامل ليعترف صدام، بعد فوات الأوان، بأنها كانت فخّاً غربياً للعراق. اليوم يريدون استنهاض الأحقاد القومية نفسها لمواجهة نفوذ إيران في العراق، في نارٍ تحرق العراقيين، الذين قد يُفاجؤون بعد الصحو من غفلتهم باتفاق إيراني أميركي ليظلوا هم يعانون نتائج الحريق لسنوات أو عقود. النار التي يجري إشعالها لاستهداف ايران، تحرق المجتمع العراقي وأخلاقه وقيمه. انظروا الى الكم الهائل من البذاءة والشتائم والعبارات الهابطة التي تنشرها صفحات الذباب الالكتروني. تابعوا حجم التحريض على العنف ورفض الرأي الآخر واستسهال إلصاق شتى التهم وإطلاق شتى التوصيفات بحق من يختلف في الرأي أو من يشير الى ما يخطط للعراق. انظروا الى حجم الكراهية التي يجري بثّها والتي بدأت تفرق بين أفراد الأسرة الواحدة، وهي مستلزمات حرب أهلية يخسر فيها الجميع الا الفاسدين وتجار الدم. مهما تغيرت الوجوه في السلطة فان النتيجة لن تكون بأفضل مما نحن عليه الان بوجود مجتمع مفكك ومنهار اخلاقياً. أعرف أن هذا الكلام لن يعجب الكثيرين لكن إرضاء الضمير خير 
من إرضاء البشر.