سبق وان وصفت وزارة النفط العراقية وكل المسؤولين عن السياسة النفطية في العراق جولات التراخيص النفطية التي وقعها العراق مع الشركات الاجنبية منذ منتصف عام (2009) بانها من اكبر الانجازات التي حققتها وزارة النفط والحكومة العراقية منذ تاسيس الدولة العراقية عام (1921).
ورغم المعارضة من اوساط واسعة رسمية وشعبية مضت الحكومة العراقية في توقيع العقود مع شركات اجنبية تحت مبررات زيادة الانتاج وتحقيق عوائد مالية متنامية وايجاد مدخل جديد للاستثمار في الغاز المصاحب وتصفيته، و ان الانتاج الحالي لا يتناسب مع ما يمتلكه البلد من الاحتياطي المؤكد والمثبت وفق المعايير الدولية وكذلك من شان التعاقد مع الشركات الاجنبية الانفتاح على الشركات النفطية العالمية وتعزيز العلاقات التقنية والادارية والبحثية ونقل الخبرات والمهارات الحديثة وتنشيط سوق العمل وخلق وظائف جديدة بالانشطة النفطية او الاخرى المرتبطة بها خصوصا وان العقود اشترطت نسبة توظيف واشغال العراقيين وبعد هذا الاستعراض في المبررات الحكومية لجولات التراخيص والتي لم تكن صائبة في العديد من فقراتها.
فهي لم تعظم الموارد المالية للعراق، لان الامر ليس مرهونا في حجم الصادرات وانما الامر ايضا يعتمد على اسعار النفط المتذبذبة التي خفضت الموارد المالية المتاتية من الصادرات النفطية، وشمول جولات التراخيص والعقود بمجال الاستكشاف والاستخراج في حقول نفطية مريحة ما اتاح للشركات الاجنبية التي عملت تحت مظلة عقود التراخيص ان تحصل على ارباح طائلة مقابل استثماراتها بالقطاع النفطي العراقي وبالمقابل تم تحييد شركات الاستخراج والاستكشاف النفطية الوطنية التي تمتلك من الخبرات ما يؤهلها للقيام بهذه المهام . كما اقدمت الشركات الاجنبية ومن خلال تعاقدها بعقود طويله الاجل
(20 - 25) سنة على تقييد الحكومة بشروط معينة مثبتة في العقود لا تتحمل بموجبها الشركات النفطية مخاطر التنقيب او مخاطر السعر عندما تنخفض اسعار النفط، وبذلك تكون الشركات الاجنبية قد حمت استثماراتها من جميع المخاطر والمتضرر الوحيد هو خزينة الدولة العراقية. كما لم تلتزم الشركات الاجنبية بتشغيل العمالة العراقية او القطاع الخاص العراقي وذلك لغرض تنشيط سوق العمل ولجات الى الاتيان بالعمالة الاجنبية وشراء جميع ما تحتاجه لوجستيا من خارج البلاد وعلى نفقة خزينة الدولة العراقية.
واذا اردنا الخوض في تحليل جولات التراخيص تلك نحتاج الى مساحات كبيرة حتى نغطي كل الجوانب فيها ولكن ساوجز ذلك في الغطاء القانوني لتلك التراخيص والعقود المرتبطة بها، اذ كما هو معلوم فان القوانين التي تنظم التعاقدات في العراق عديدة سواء التعاقدات الحكومية مع القطاع الخاص او مابين القطاع الخاص والافراد وهي امر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم (٨٧) لسنة (٢٠٠٤ )او مايعرف بقانون العقود العامة والذي تصدر من خلاله تعليمات تنفيذ العقود الحكومية التي تحدد شروط وضوابط التعاقد بين الجهات الحكومية والجهات الاخرى من القطاع الخاص الوطني والاجنبي .
وكذلك قانون الموازنة الاتحادية السنوية الذي هو الاخر ينظم الواردات وحجم الانفاق ويرسم السياسة المالية للدولة، اذ تصدر وزارة المالية الاتحادية تعليمات تنفيذ الموازنة وتحدد من خلالها الصلاحيات المالية واوجه الصرف وابوابه، وقانون الشركات رقم (22) لسنة 1997 المعدل الذي اجاز بالمادة (15 ) للشركات العامة التعاقد مع الشركات العراقية والاجنبية ضمن مايعرف بعقود المشاركة لغرض تاهيل قطاع معين او صناعة معينة، فضلا عن قانون الاستثمار رقم ( 13) لسنة (2006) المعدل الذي اجاز مشاريع الشراكة على مشاريع القطاع العام والخاص والمختلط وقد استثنى منها الاستثمار في مجالي النفط والغاز، وقانون بيع وايجار اموال الدولة رقم (21) لسنة 2013 الذي نظمت احكامه بيع وايجار اموال الدولة . ومن خلال الاستعراض للقوانين اعلاه نجد ان جولات التراخيص والعقود التي ابرمت في ضوء نتائجها ليس لها غطاء قانوني يعتد به قانونيا ويستوجب من الجهات الرقابية والقضائية التحرك لتاخذ دورها وتقف عند من اوعز بتسديد مستحقات الشركات الاجنبية عينًا بدلًا من تسديدها نقدا من دون المرور بوزارة المالية في مخالفة للقانون والذي ادى بدوره الى قيام تلك الشركات ببيع شحنات النفط خارج العراق وايداع تلك الاموال بحسابات خارج العراق ويتم استقطاع الاموال منها وهذا يعني ان الدفع يكون مقدما وليس سلفا وان تلك الارصدة تكون اعلى من استحقاقات تلك الشركات، اذ يتم الصرف مباشرة بمعزل عن قانون الموازنة الاتحادية. كما ان عقود جولات التراخيص لا تخضع للقانون الضريبي المعمول به في العراق وكذلك قانون العمل ما يعد مخالفة ادت الى حرمان الخزينة من مورد مالي مهم.
وفي ظل الظروف الحالية التي يشهدها الاقتصاد العالمي من ركود بسبب الازمة الصحية العالمية الناشئة عن تفشي فيروس كورونا المستجد وقلة الطلب على النفط وتدني اسعاره بشكل مخيف والذي بات يهدد الاقتصاد العراقي، اصبح لزاما على الحكومة العراقية (حكومة تصريف الاعمال ) او الحكومة الانتقالية المقبلة الزام الشركات النفطية الاجنبية على ضغط انفاقها وتخفيضه الى الحد الادنى، كمرحلة اولى والمباشرة باعادة النظر بشروط هذه العقود بما يضمن ايقاف نزيف الهدر بالمال العام، وهنا يحتم علينا الواقع تشريع قانون للنفط والغاز لتنظيم ادارة الثروة
النفطية .