ادراج المياه ضمن معالجة التغير المناخي

اقتصادية 2020/04/27
...

مولي والتن*
ترجمة: شيماء ميران
يعد قطاع الطاقة المشارك الرئيس في التغير المناخي، إذ يمثل ثُلثي انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، كما أنه يتأثر بصورة مباشرة بهذا التغير وبالمؤثرات المتمثلة بالمياه – وهي حقيقة سُلط الضوء عليها في اليوم العالمي للمياه هذا العام.
وفي الفترة التي سبقت مؤتمر الأمم المتحدة المؤجل للتغير المناخي (26)، ابرزت الوكالة الدولية للطاقة IEA طُرقا لتقليل مساهمات قطاع الطاقة في انبعاث الغازات الدفيئة، ودعم قدراته على مقاومة آثار التغير المناخي، ما سيتطلب إدراك العلاقة بين الطاقة والمياه لتجنب العواقب غير المقصودة وتخمين مواطن الضعف، وتنفيذ السياسات والتقنيات والاساليب التي ستقودنا لمستقبل طاقة آمنة ومستدامة.
ولضمان أن يمثل هذا العام ثبات ذروة الانبعاثات، ستحتاج الحكومات وقطاعات الصناعة لتسريع الجهود لعرض التقنيات والحلول التي ستصل بتقليل الانبعاثات الى المعيار على المدى القريب. وعادة ما يحقق الوقود والتقنيات المستخدمة هذا الانتقال اذا أُدير بصورة صحيحة، ويتفاقم او يقل بسبب حدة الاجهاد المائي بالاعتماد على الموقع وكمية المياه المتوفرة والمستخدمين المتنافسين. قد تتطلب بعض التقنيات كطاقة الرياح والطاقة الكهروضوئية كمية قليلة من المياه، بينما يتطلب الوقود الحيوي وتركيز الطاقة الضوئية، واحتجاز وتخزين واستغلال الكاربون، او الطاقة النووية كميات كبيرة من المياه. وهذا يؤكد أهمية مراعاة استخدامها في قرارات سياسة الطاقة.
ونظرا لذلك، قدّرت وكالة IEA الحاجة المائية المستقبلية لتحولات الطاقة السريعة كتصور لسيناريو التنمية المستدامة – وهو منهج متكامل يركز على معالجة التغير المناخي وتوفير الطاقة للجميع، وتقليل آثار تلوث الهواء. وفي سيناريو كهذا فإن كميات المياه المسحوبة من المصدر اقل بنسبة عشرين بالمئة مما هي عليه اليوم. وتسهم الزيادة في توظيف الطاقة الشمسية والرياح، والانتقال من توليد الطاقة بحرق الوقود، وزيادة التركيز على فاعلية الطاقة في هذا التقليل. ومع ذلك، يتجه استهلاك قطاع الطاقة للمياه عكس هذا السيناريو بزيادة تصل خمسين بالمئة. ورغم ان سحوبات المياه هي الغاية الاولى لإنتاج الطاقة عندما يكون توفر المياه محدودا، فإن استنزاف المياه يقلل من اجمالي الكمية المتوفرة منها لسد حاجة جميع المستخدمين. بينما لا تشكل هذه مشكلة في جميع المناطق، فإن إتخاذ خطوات لتطوير كفاءة مصنع الطاقة ونشر انظمة تبريد متطورة، فضلا عن الافادة القصوى من المياه غير العذبة وإعادة تدوير المياه يمكن ان تضمن ذكاء خطط إزالة الكاربون للمياه.
 
استخدام المياه في
 سيناريو التنمية المستدامة
فضلا عن ادراكنا مدى تأثير خياراتنا في الطاقة على مصادر المياه، سنكون بحاجة لفهم وتخطيط أفضل لمعرفة تأثيرات المناخ المتعلقة بالمياه ‏على قطاع الطاقة. ولشح المياه تأثير فعلي على انتاج الطاقة، وربما تثير المزيد من القيود تساؤلات عن الجدوى البيئية والاقتصادية والمادية للمشاريع المستقبلية – وهو ما سيقيّمه تقرير وكالة IEA الرئيس المقبل حول أمن الكهرباء. ومن جانب آخر، يمكن لتناقص مصادر المياه العذبة ان يؤدي الى اعتماد اكبر على مصادر طاقة إمدادات المياه المكثفة كتحلية المياه. ولكل واحدة تأثيرات محتملة على أمن الطاقة.
تواجه العديد من البلدان في الوقت الراهن مستوى معينا من الإجهاد المائي، وهناك تخوّف متزايد بشأن وفرة المياه مستقبلا وكيفية تأثير التغير المناخي على مصادرها، الذي يُتوقع ان يغير تواتر وشدة وموسومية وكمية هطول الامطار، فضلا عن درجة حرارة الموارد مؤثرا بذلك على الطاقة والبنية التحتية للمياه.
وقد تجد دول عدة ان خططها لزيادة توليد الطاقة في بعض اجزائها على الاقل ستعتمد على وفرة المياه. وتأثرت محطات توليد الطاقة الحرارية الهندية فعلا بالجفاف وشح المياه، ما جعل الهند تفقد 14 تيراواط- ساعة من الطاقة الحرارية المولدة عام 2016. كما يعني ارتفاع درجات الحرارة ايضا عدم مقدرة بعض محطات الطاقة على التوافق مع لوائح درجات الحرارة لتصريف المياه. وهكذا فإن خطط توليد الطاقة التي تعتمد على المزيد من تقنيات كثيفة الاستخدام للمياه ان تراعي وفرتها اليوم ومستقبلا في اختيارها للمواقع وتقنيات التبريد وحيثما يمكن استخدام مصادر المياه البديلة.
تتعرض الطاقة الكهرومائية التي لها دور مهم في خطط إزالة الكربون للعديد من البلدان الى تأثيرات التغير المناخي. ففي افريقيا إذ تمثل الطاقة الكهرومائية 22 بالمئة من توليد الكهرباء مقارنة بالنسبة العالمية 16 بالمئة، فالتغير المناخي أثر على قدرة محطة الطاقة الكهرومائية الكبرى في زامبيا ما أدى الى انقطاع التيار الكهربائي. فضلا عن كونها العمود الرئيسي في تحولات الطاقة النظيفة، فإنها مصدر مهم ايضا لمرونة النظام التي يمكن ان تزيد من مصادر الطاقة المتجددة المتغيرة، وهو ما سيظهره تقرير الطاقة المتجددة 2020. وبهذا فإن ضرورة إدراك مخاطر المناخ ووضع التدابير التقنية والسياسية اللازمة لتعزيز مرونة الطاقة الكهرومائية سيقيّمه تقرير وكالة   IEAفي مؤتمر افريقيا المقبل.
إنّ زيادة الطلب على المياه وتزايد الريبة حول امداداتها وتناقص جودتها سيؤدي الى زيادة الطاقة اللازمة لنقلها وضخها ومعالجتها. فمثلا قد تلجأ اكثر البلدان الى تحلية المياه لتقليص الفجوة بين مسحوبات المياه العذبة والامدادات المستدامة. ففي الشرق الاوسط تمثل التحلية ثلاثة بالمئة فقط من امدادات المياه اليوم، بينما تمثل خمسة بالمئة من اجمالي استهلاكها للطاقة. وبحلول عام 2040 ستمثل تحلية المياه في سيناريوهات سياساتنا المعلنة ربع امدادات مياه المنطقة تقريبا، و15 بالمئة من اجمالي استهلاك الطاقة النهائي. ولربما يساعد استخدام المياه بكفاءة اعلى ومعالجة خسائر تسربها من الانابيب بسبب انفجارها او سرقتها في خفض تزايد الطلب على الطاقة ويزيد من وفرة المياه. 
لا يجب ان تكون المياه عاملا مقيدا لقطاع الطاقة، ولا ينبغي ان يؤدي ارتفاع الطلب على المياه الى تزايد مماثل في طلب الطاقة. لكن ما لم نعتبر الطاقة والماء مترادفين، فمن غير المحتمل ان نحقق اهدافنا بتحويل الطاقة وأمنها.
* محللة طاقة في آفاق الاقتصاد العالمي
عن الوكالة الدولية للطاقة