يعود تاريخ هذه الظاهرة في العصر الحديث الى الثورة الصناعية في اوروبا وحاجتها للعمالة، وتفاقمت على حساب الزراعة، لتظهر نظرية توماس مالثوس المعروفة، وهكذا تراجع اداء
الريف.
وبعد الثورة الزراعية والتطور العلمي بالانتقال للزراعة الرأسمالية الحديثة تغيّرت المعادلة في متواليات مالثوس اي تم تصنيع الريف، وحصل التناغم والتكامل بين طرفي الاقتصاد الحقيقي بزراعته
وصناعته.
وبعد 2003 في العراق لم تحصل تنمية زراعية او انتاج حيواني، اذ تراجعت بعض الأنشطة في هذين الحقلين، ما نجم عنه مزيد من استيراد ما كان ينتجه بلدنا أصلاً، ورافق ذلك حركة نزوح من القرية الى المدينة غير الصناعية، لتتشكل اكبر احزمة للفقر
والعشوائيات.
هناك من له مصلحة من الانفتاح التجاري واستمرار استيراد الغذاء بشقيه النباتي والحيواني، اذ بات المستهلك العراقي هدفا سهلا لشركات الاستيراد، وكل هذا والنشاط النباتي والحيواني يتراجع أمام هذه الهجمة المنظمة دوليا واقليميا بوكلائهم التجار ومن ورائهم.
هذه المخاطر باتت مسيّسة اذ انها لن تطال مشاريع معينة محمية مكملة للشركة الأم في الخارج كصناعة الالبان او الزيوت التي ليس لبعضها مصادر خام محلية، ولم تزدهر لدينا زراعة المحاصيل الستراتيجية كعباد الشمس او الزيتون والسمسم، ولم تتحرك الثروة الحيوانية ولا مزارع قصب السكر او
البنجر.
بما أن القرض المصرفي مرهون بمصلحة البنك فإنّه في هذه الحالة لا يجازف ما دامت الفائدة معومة ولا رقيب عليها وان وجد فإنّه يفتقر للمتابعة الالكترونية للحسم السريع في اداء
العمل.
لذلك حرمنا الريف من اي مشروع عصري مواده الخام من الداخل عدا السمنت، كما لم يتطور الري والبزل او زراعة الابار الارتوازية بل ظهرت ملوحة وتصحّر، لأنّ ملف المياه مازال مرتهنا بجيران يروننا فقط من خلال رقم صادراتهم الغذائية يعملون على
تكريسها.
فأمننا الغذائي يتوجب ان يكون ركنا حيويا في استقلانا وسيادتنا. وهذا لايتم إلّا بالاستقلالية الاقتصادية ونماذجها المعروفة وبما يرتبط بها من مرجعيات تعود الى سلطات محلية منتخبة تساعد في تقوية مواجهة المخاطر وبما من شأنه تحقيق الامن الغذائي.