محمد شريف أبو ميسم
للمصارف دور مهم في عملية التنمية الاقتصادية، فهي التي تقوم بتدوير الكتلة النقدية الصادرة عن البنك المركزي، من ودائع الى قروض وسلف تسهم في انشاء وتشغيل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتنشيط حركة السوق عبر تدفق السيولة وزيادة الطلب على السلع والخدمات واشباع حاجات المقترضين وأصحاب المشاريع الممنوحة، الأمر الذي يسهم في تدوير الأموال بين قطاعات حرفية ومهنية مختلفة وبالتالي الاقتراب أكثر فأكثر من حالتي الرواج والانتعاش في الدورة الاقتصادية.
بيد ان الملاحظ في عملية منح القروض والسلف، هو اعطاء الأولوية لضمان استرداد قيمة القرض على تحقيق هدف القرض، حتى في المصارف المتخصصة التي وجدت من أجل دعم قطاعات اقتصادية دون غيرها، وعلى هذا تجد ادارات المصارف منشغلة بما يسمى ضمانات استرداد القروض التي تتنوع بين تقديم الضمانات العقارية والكفالات الشخصية والكمبيالات والتعهدات القانونية، وصولا الى خطابات الضمان والأوراق المالية في أنواع من التسهيلات المصرفية.
والاشكالية هنا تتعلق بالاجراءات المتبعة في تقديم هذه الضمات في اطار روتيني قد يفضي في بعض الأحيان الى قيام المقترض بالتخلي عن القرض، أو ربما اللجوء الى المعقبين "وهم عرابو الفساد في القطاع المصرفي" والذين كان لهم دور كبير في تمرير الضمانات المزورة في العديد من المصارف، الأمر الذي انعكس على أداء هذه المصارف، جراء عدم قبول الضمانات ما لم تنفذ حزمة كبيرة من الاجراءات الروتينية بهدف الاطمئنان وتجنيب العاملين فخ الفساد، وبالتالي زيادة التعقيدات الاجرائية التي كانت وما زالت أدوات طاردة لطيف كبير من الجمهور في تعامله مع القطاع المصرفي.
ومع دخول أدوات الدفع الالكتروني وظهور التعامل بالبطاقات الذكية لجأ القائمون على برنامج الشمول المالي الى فكرة توطين رواتب الموظفين بهدف التأسيس للتداولات الالكترونية والتقليل من التداولات النقدية، وبالتالي سحب الكتلة النقدية الى ساحة العمل المصرفي وتشجيع عموم الجمهور على التعامل مع المصارف بعد مكننة كل منافذ التعاملات والتداولات، فكان من الطبيعي أن تتنافس المصارف على جذب الموظفين اليها، عبر أدوات كان من أهمها تقديم القروض الى الذين يقومون بتوطين رواتبهم في المصرف، بضمان الراتب الشهري، اذ يضمن المصرف استقطاع القسط الشهري قبل دفع الراتب، الا ان بعض المصارف ما زالت تعيش الأجواء الروتينية برغم دخول التقانات في عملها، اذ يشترط البعض منها تقديم الضمانات العقارية والكفالات والتعهدات مقابل منح
القرض.
ويبدو ان هذه المصارف المتشبثة بهوس الضمانات ستخسر العديد من زبائنها على المدى القريب في ساحة يزداد فيها التنافس، اذ ستشهد الأشهر المقبلة هجرة في الرواتب التي وطنت في بعض من هذه المصارف الى أخرى تعمل على رضا الزبون وحمايته، لأنها تعي ان هذا الزبون يمثل العصب الرئيس لعملها.