موت محال التجزئة

اقتصادية 2020/07/13
...

سابينا ماهيشواري وفانيسا فريدمان ترجمة: مي اسماعيل
 
ضربت جائحة كورونا عمالقة البيع بالتجزئة في مقتل؛ مخلفة متاجر فارغة وطلبات ملغاة ومخاطر بالافلاس. تلقت تلك المتاجر ضربات اقتصادية سابقة خلال العقد الماضي، انقذتها منها صناديق الدعم الاحتياطي المالي؛ اتخذت على اثرها قرارات حاسمة باغلاق بعض الفروع وتسريح العاملين، كما أعلنت بعضها افلاسها. لكن لا شيء من تلك المصاعب يُقارن اليوم بصدمة تأثيرات الجائحة..

 في الولايات المتحدة انخفضت مبيعات الملابس والكماليات بأكثر من النصف منذ شهر مايس الماضي.
يقول مارك كوهين رئيس قسم دراسات تجارة التجزئة بجامعة كولومبيا: "لن تتعافى المتاجر الكبرى (التي كانت تنهار ببطء منذ سنوات) غالبا من أزمة كورونا. بات هذا الخط التجاري في انحدار، والقلة فيه فقط ستتمكن من الاستمرار". وبدلا من الاستعداد لموسم الصيف والعطلات، تخطط المتاجر اليوم لبرمجة تسريح آلاف العاملين وجمع السيولة النقدية، والكفاح للتغلب على الازمة. ويلوح شبح التخلف عن السداد الشامل في نقاشات الادارات خلف الابواب المغلقة وعلى تحليلات الانماط المستقبلية. وسواء تحقق هذا أم لا؛ لا يشك أحد ان الاضطراب التجاري الذي خلفته الجائحة سيغير بصورة دائمة مناخ تجارة الجملة، وعلاقة العلامات التجارية الكبرى مع المتاجر التي تبيع منتجاتها. وعلى أقل تقدير يتوقع الخبراء تناقصاً كبيراً جداً في عدد فروع سلاسل المتاجر، التي انتشرت يوماً على أرجاء أميركا كنباتٍ نشيط. 
 
اضمحلال المبيعات
تشكل سلاسل المتاجر الكبرى (Department store) نحو ثلاثين بالمئة من مساحة العرض التجاري بالمفرد في الولايات المتحدة، وتحتكر بضعة أسماء شهيرة مثل "سيرز-Sears" و"جي. سي. بيني- J.C. Penney" عشرة بالمئة من تلك النسبة، وفقا لتقرير نشرته مطلع العام الحالي مؤسسة "غرين ستريت أدفايزرس" العقارية الاستشارية البحثية. وحتى قبل الجائحة توقعت المؤسسة أن تغلق نصف المتاجر الموجودة في المجمعات الكبرى (المولات) أبوابها في السنين الخمس المقبلة. وبينما عملت الشركات لتبني اسلوب المبيعات الالكترونية على مواقع الانترنت والتبادلات الداخلية؛ فقد كشفت الجائحة مدى اعتماد المتاجر الكبرى على مواقعها المكانية. وقال متجر "ميسي-Macy" الشهير أنه خسر غالبية مبيعاته بعد الاغلاق لاسبوعين. كان تقرير مبيعات المفرد التجارية للمتاجر الكبيرة لشهر آذار الماضي كارثيا؛ ومن المتوقع أن تكون الاشهر المقبلة أسوأ، علماً أن بعض المتاجر ستفتح أبوابها ولو لبعض الوقت. 
بدأ تجار الجملة بالحديث عن اجراءات قاسية للبقاء؛ إذ سرحت بعض الشركات الكبرى كامل فريق الادارة التنفيذية (وبضمنهم المدراء) فوريا، وعلقت الدفعات المستحقة للمجهزين لثلاثة أشهر أو أكثر؛ متذرعة.. "بالضغط الكبير على موقف السيولة النقدية". عيّنت المتاجر مستشارين مصرفيين للبحث عن طرق تمويل جديدة، وبحثت عن أي منافذ للتعويضات عن فترة الجائحة، بينما هبط بعضها أسفل قائمة التصنيف المالي، وحصلت نحو مئة شركة عامة على الملايين من قروض العمل الصغيرة.. ثم تذبذبت أسعار الأسهم والنفط بسبب موجات البيع. 
 
سقوط قطع الدومينو
تقول بيتسي آيزينبيرغ مالكة احد متاجر الملابس: "كان لي متجر طيلة ثلاثين سنة، وقد استخدمنا دائماً مصطلح "شراكة" عند الحديث عن علاقتنا مع المحال الأخرى وأصحاب العلامات التجارية الكبرى. عبرنا معاً مرحلة 11 أيلول وأزمة سنة 2008 الاقتصادية، وهذه هي المرة الاولى التي تعثر فيها تسويق المنتجات وفقد أصحابها ملايين الدولارات.. للأسف لن ينجو الا الاقوى..". أُلغي التجهيز لموسم العطلة تماما؛ وهو الموسم الأكثر دراً للربح خلال العام، وجرى تعليق طلبات الخريف و الشتاء المقبلين؛ ما أجج التساؤلات عما سيتبقى من المخزونات بعد رفع الحظر، ومتى سيعود الزبائن لسابق عهدهم بالتسوق، والكثير منهم لا يملكون ما ينفقونه. يتوقع روبرت بيرك مؤسس احدى المؤسسات الاستشارية الفاخرة أن العلامات التجارية ستتجه بعيدا عن مبيعات الجملة، لتركز على البيع المباشر للزبائن وانشاء معرض نموذجي يتحكمون فيه بمساحات العرض ونمط المخزون. ويتوقع أن لا تستمر قدرة السيولة النقدية لدى كبرى المحال الا ما بين 4-6 أشهر مقبلة، بينما قد تقاوم الاقوى ماليا اغلاق متاجرها حتى سنة واحدة. يقول المحلل الاقتصادي أوليفر كوين: "من طبيعة المجمعات التجارية الكبرى (المول) أن يؤدي فقدان الاسماء والعلامات التجارية الكبرى فيها الى تناقص تدفق الزبائن اليها؛ وهو أمر تعاني منه تلك المجمعات بالفعل". ومن شروط عقود الايجار فيها أن من حق المحال الاخرى أن تطالب بخفض بدل الايجار إذا غابت علامات واسماء تجارية معينة.
 
صحيفة نيويورك تايمز الاميركية