تناولت ندوة اقتصادية نظمت عبر منصة "الاقتصاد أولاً" الالكترونية، دور التأمين في الحياة الاقتصادية، إذ بات يمثل ضرورة ملحَّة في المجتمعات الحديثة لدرء الأخطار التي لا يمكن للأفراد والمجتمعات إهمالها وإغفال دورها. فالتأمين وحده يعدُّ الوسيلة المثلى لحماية الممتلكات ووسائل الإنتاج ورؤوس الأموال، وضمانة لحماية الأسرة والأفراد من جميع الأخطار التي قد يتعرضون لها، ويشكّل رافداً من روافد الاقتصاد الوطني لأي بلد، وقد أخذ الاهتمام الذي يستحقه من خلال تنظيم أحكامه بقانون، وعلى اعتبار أنَّ صناعة التأمين صناعة عالميَّة لا تنفصل عن الحياة الاقتصادية الدولية فقد توجب على هذه الصناعة مواكبة تلك التطورات والسير معها جنباً الى جنب.
الوعي التأميني
أدار الندوة الدكتور باسم عبد الهادي الإبراهيمي وتساءل في بدايتها عن آثار وانعكاسات تطوير وتنمية القطاع التأميني على الواقع الاقتصادي والمالي في العراق؟ وهل يمكن ذلك في ظل التحديات التي تواجه قطاع التأمين من قبيل ضعف الوعي التأميني والصحي والوقائي عموماً لدى المواطن وارتفاع نسب الجريمة المنظمة وأعمال التخريب والحريق والفساد المالي والإداري وما سببه احتلال عصابات داعش الإجرامية لبعض محافظات العراق من إرباك لواقع تنفيذ المشاريع، ما أدى بالنتيجة الى خسارة بعض الشركات لفروعها الجغرافية وحصتها السوقيَّة، وهو تهديد حقيقي انعكس على مجمل النشاط العام، فضلاً عن الحاجة الى تشريعات تسهل وتشجع على تسويق مختلف وثائق التأمين وحصر إجراء التأمين للسلع الواردة للبلد بالشركات العراقية. إذ إنَّ قانون تنظيم أعمال التأمين رقم (١٠) لسنة ٢٠٠٥ لم ينص على تأمين الأصول والمسؤوليات مع شركات تأمين مسجلة في العراق ومجازة لمزاولة العمل من قبل ديوان التأمين".
إعادة هيكلة
أجاب الباحث عقيل جبر المحمداوي عن تساؤل الدكتور باسم الإبراهيمي قائلاً: "بالتأكيد وبشكل قطعي له انعكاسات وآثار مباشرة على دعم الاقتصاد العراقي وتنمية القطاعات الاقتصادية المتنوعة فيما لو أولي الاهتمام الحكومي الكافي، وإعادة هيكلة المنظومة التأمينية والإدارة التأمينية للارتقاء بواقع تنفيذ الخطط والستراتيجيات، فضلا عن زيادة الوعي والإدراك التأميني وتحقيق التنمية التأمينية المستدامة على أسس مهنيَّة فنيَّة تأمينيَّة متطورة".
وأضاف "يمكن تصور بعض الآثار الاقتصادية في ما يخص النتائج الاقتصادية لتجاهل دور شركات التأمين العراقية واضحة فأقساط التأمين المنفقة على شراء الحماية التأمينية للأصول الموجودة داخل العراق تُحوّل إلى الخارج إما جهلاً أو قصداً بدلاً من إنفاقها داخل العراق. وهو ما يحرمُ هذه الشركات من فرصة النمو والنهوض للتعامل مع متطلبات تأمين المشاريع في مختلف مراحلها وما يفرضه عليها تطور الاقتصاد من تحديات فنيَّة وماليَّة".
المنح والقروض
ولفت الى أنَّ "هذا الوضع يعكس حالة عامة تتمثل بإعادة تصدير المنافع الاقتصادية خارج العراق بدلاً من الاستفادة منها في تعزيز التراكم الاقتصادي الوطني. ويكفي هنا أنْ نتذكر مصير الأرصدة في صندوق تنمية العراق والمنح والقروض والمعونات العينيَّة التي أقرها مؤتمر المانحين في مدريد في تشرين الأول 2003، فقد أُنفقت نسبة كبيرة منها خارج العراق بالتعكز على سوء الأوضاع الأمنية. أي أنها لم تصب مباشرة في حركة الاقتصاد العراقي إضافة إلى التبذير والسرقة التي تعرضت لها".
الأكاديمي الدكتور ميثم لعيبي قال: إنَّ "الأموال العراقية العامة، المنقولة وغير المنقولة، تخضع لأشكال متعددة من التسرب وسوء الاستعمال وجميعها تؤثر في حركة الاقتصاد العراقي وفي قطاع التأمين. على سبيل المثال، فإنَّ الإنفاق على شراء الحماية التأمينية من الخارج، دون المرور بشركات التأمين العراقية، هو أحد أشكال تسريب الأموال وهو في ذات الوقت خسارة للدخل بالنسبة لهذه الشركات مثلما هو خسارة لمصدر ضريبي (ضريبة الدخل على شركات
التأمين)".
سوق وطنية
وتابع "ما يعنينا من هذا الدور المحتمل لصناعة التأمين في العراق في المساهمة في التنمية الاقتصادية. فالقانون، كما هو عليه، وطريقة إجراء التأمين خارج العراق يحرم قطاع التأمين من المساهمة الفعليَّة في التنمية في المستقبل المنظور عندما تتضح معالم هذا القانون في التطبيق ومجافاة بعض أحكامه، كالمادة 81، لمشروع تأسيس سوق وطنية عراقية مشتركة للتأمين. وفي الواقع، ليس هناك، ومنذ تشرين الثاني 1991، سوق وطنيَّة، فدرالية حقيقية. وأود التأكيد هنا على المادة (14- أولا) لا يجوز لأي من المنصوص عليهم في المادة (13) من هذا القانون أنْ يمارسَ أعمال التأمين إلا بعد حصوله على إجازة بذلك وفقاً لأحكام هذا القانون. وهناك إعمام على المؤسسات الحكوميَّة بعدم التأمين في شركات التأمين الأجنبيَّة غير المجازة من ديوان التأمين العراقي أو مسجل الشركات والمؤسسات الرسمية وهو يقلل تسرب التأمينات والعملة الصعبة خارج العراق، ولكن الملاحظ، وبشهادة شركات التأمين العراقية ومستشاريها القانونيين، أنَّ شركات التأمين وإعادة التأمين غير العراقية وغير المسجلة لدى وزارة التجارة وغير المجازة من قبل الديوان تقوم بالاكتتاب بالأعمال العراقية في أوطانها وبذلك تحرم شركات التأمين العراقية المسجلة والمجازة من قبل ديوان التأمين العراقي وتدفع الضرائب والرسوم عن نشاطها، من حقها القانوني في الاكتتاب بأعمال التأمين على الأصول العراقية بما فيها الأشخاص".
الأنشطة التأمينيَّة
أما الدكتور مصطفى كامل فبين أنَّ "مؤسسات التأمين العراقية عليها قطع شوطٍ كبير من أجل إثبات جدارتها في مجال التأمين، وعليها الإفادة من ظروف جائحة كورونا من أجل ترويج وتسويق أفكار تأمينيَّة إبداعيَّة لعلَّ أهمها في المجال الصحي، كما أنَّ ضعف وعي الجمهور في مجال أنشطة التأمين يشكل تحدياً كبيراً أمام نجاح وازدهار الأنشطة التأمينية في العراق، فلا بدَّ من تضافر جميع الجهود من أجل دعم أنشطة التأمين الخاص والعام، ولعلَّ التحدي الاستثنائي في هذا الاتجاه يتمثل بارتفاع حجم الاقتصاد غير المنظم والذي يلغي بدوره أي نشاط تأميني يعتمد على مؤسسات حقيقيَّة رائدة تعمل في الاقتصاد بشكل منظم".