كيرون سكنر
ترجمة واعداد / انيس الصفار
إذا ما ارادت الولايات المتحدة اتباع سياسة فطنة تحفظ من خلالها مجتمعات عبر الاطلسي وتلزم روسيا حدها فإن وضع الرئيس البيلاروسي “الكساندر لوكاشينكو” سيمثل لها تحدياً حقيقياً. ذلك أن 26 عاماً على سدة السلطة ليست كافية بالنسبة للوكاشنكو الذي كثيراً ما ينعت بأنه “دكتاتور اوروبا الأخير”، حيث أعلن في وقت سابق من الشهر فوزه في انتخابات اعتبرت على نطاق واسع مزورة.
كانت النتيجة شجباً دولياً وتظاهرات ضد لوكاشينكو لم يسبق لها مثيل. من حينها اخذ لوكاشنكو يعطي الوعود باجراء انتخابات جديدة، بعد الانتهاء من اعداد مسودة جديدة للدستور، كما رددت الاخبار عقده اتفاقية لا وزن لها لتقاسم السلطة مع المعارضة. بيد ان اي من ذلك لم يرض المحتجين الذين بدا عليهم بوضوح انهم قد ضاقوا ذرعاً بالنظام البربري الفاسد.في البداية حاول لوكاشينكو ان يحرف موجة الانتقاد بالتشكي من التدخل الروسي في الانتخابات، ولكن مع تواصل الاحتجاجات وتناميها غير تكتيكاته وأخذ يدعو موسكو الى التدخل والمساعدة لإعادة الاستقرار “اذا ما اقتضت الضرورة”.
بعد ذلك اوضح، عبر تلفزيون الدولة، أنه لن يطلب مساعدة الجيش الروسي ما لم تتعرض بيلاروس الى هجوم خارجي، ولكن لوكاشينكو سبق له الادعاء بأن القوات الخارجية إنما تعمل في بيلاروس لبذر بذور الفوضى.بيد ان بوتين، الذي لا يفوت فرصة استغلال اي ازمة تطرأ، يستطيع التذرع بأي حجة وتحويلها الى فرصة للتدخل، وقد شرعت ماكنة الإعلام الروسية منذ الان بضخ المزاعم حول نظريات مؤامرة عديدة واتهام حلف الناتو أو دول اوروبية معينة بالتدخل، وبذلك هيأت الارضية لذرائع مستقبلية تبرر التدخل الروسي.احتمالات التدخل الروسي في بيلاروس مرتفعة جداً في الواقع لأن بوتين لا يطيق رؤية هذا البلد منفصلاً عن دائرة نفوذ موسكو، بيد ان الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية مستمرة بالتصاعد. حتى عمال المصانع العائدة للدولة، وهم شريحة اساسية في نظام لوكاشينكو، اخذوا يتظاهرون. تظهر المقاطع المصورة في مواقع التواصل الاجتماعي عناصر من جهازي فرض الأمن والقوات العسكرية وهم يخلعون بزاتهم العسكرية ثم يعانقون المتظاهرين.
سفارة واحدة على الاقل (في ستوكهولم) ترفع اليوم علم بيلاروس الاصلي ما قبل عهد لوكاشينكو، وحتى لو فشل المتظاهرون في ازاحة الحكومة فإن بوتين قد يقوم بتحرك ما كي لا ينسى النظام ابداً من هو برأي بوتين صاحب الكلمة الفصل هنا.اليك احد السيناريوهات المحتملة. تستمر الاحتجاجات بالتصاعد والانتشار .. وتبدأ وطأة العقوبات، مثل تلك التي فرضها الاتحاد الأوروبي هذا الاسبوع، بالتأثير واضعاف عزم المسؤولين المعاقبين ومقربيهم. ثم يأتي مزيد من العقوبات تفرضها دول اخرى .. في هذه النقطة يكون الوقت للتدخل الروسي قد أزف بذريعة “إعادة الاستقرار”.هذا السيناريو قد يتخذ صورة فعل روسي منفرد او فعل مشترك تسهم فيه “منظمة معاهدة الأمن الجماعي” التي تتزعمها روسيا أما طبيعة العمليات فقد تتضمن استخدام وحدات عسكرية نظامية او عناصر مموهة من جهاز الأمن الفدرالي الروسي، أو الاثنين معاً.التدخل العسكري قد يقود بعد ذلك الى “الاتحاد” السياسي الذي كثر الحديث فيه بين بيلاروس وروسيا مع بقاء لوكاشينكو على المسرح ليقوم بدور “أب الأمة”.هذا سيكون نسخة مشابهة لما فعله بوتين في جورجيا والقرم وما يحاول انجاحه في أوكرانيا، وسوف يمنح القوات الروسية وضعاً في نهاية المطاف يمكنها من تهديد ثلاثة اعضاء في حلف الناتو هم لاتفيا ولثوانيا وبولندا، كما سيجعل كييف ضمن مدى ضرباتها.
قد يستمد بوتين جرأته من الانطباع بأن الغرب منقسم ومشتت.
كما أنه بأشد الحاجة لتسجيل فوز ما، لأن الاقتصاد الروسي متعب وسوف يأتي الفوز في بيلاروس بمثابة حبل النجاة الذي يحتاج اليه بوتين ومؤيدوه.اين سينتهي هذا كله بالولايات المتحدة؟ لا ريب انها لا تريد حرباً جديدة، كما ان الغرب لا يستطيع البقاء منتظراً، والولايات المتحدة يجب ان تتولى القيادة كما هي العادة. بوسع ترامب ان يتألق هنا، ولكن عليه اولاً ان يوضح بجلاء تام ان مشكلات بيلاروس لن يحلها سوى ابنائها، لا الروس ولا اي اطراف خارجية. كذلك على ترامب ان يوضح لبوتين ان التدخل سوف يكلفه كثيراً لأن أميركا وحلفاءها لن يتقبلوا ارغام بيلاروس على الاتحاد مع الروس كما انهم لن يتقبلوا حكومة دمى بيلاروسية تعينها القوات العسكرية الاجنبية.الشعب البيلاروسي قد يواصل حراكه، وهذا سيجعل بوتين يدفع ثمناً اذا ما اختار التدخل لأنه سيجد نفسه في مستنقع جديد لا تلوح له نهاية صنعه بيديه.
عن موقع «ناشنال إنترست»