حوار في المشهد التنموي

اقتصادية 2020/09/24
...

  عبدالزهرة محمد الهنداوي
 
مباشرة ومن دون مقدمات، لماذا لم يشهد العراق، على مدى ١٧ عاماً مضت نهوضاً تنموياً، يتناسب مع امكاناته؟
أين يكمن الخلل؟ في النظام السياسي ام الاقتصادي، ام ان هناك اسباباً أخرى وراء عدم النهوض هذا؟
وهذه التساؤلات تحيلنا إلى جملة من المعطيات، ومن بين المعطيات المهمة، ارتفاع متوسط دخل الفرد العراقي السنوي، من ٣٠٠ دولار قبل عام 2003 الى 6500 دولار، بعد التغيير.
متأثراً بارتفاع متوسط رواتب موظفي الدولة من 3 آلاف دينار قبل عام 2003 الى 500 الف دينار بعد التغيير، ومن هذه النافذة، يمكن الولوج إلى تفكيك المشكلة في العراق عبر تقسيمها إلى مقطعين..
الاول: ان ما نسبته 70 ٪ من الايرادات النفطية تذهب الى الجانب التشغيلي، الذي تستحوذ فيه رواتب موظفي الدولة على نحو ٥٠ مليار دولار سنوياً، تنزل الى جيوب الناس، وهي كتلة نقدية هائلة انعكست بنحو واضح على مستوى معيشة الفرد، ولكنها في الوقت ذاته احدثت خللا بنيويا في التنمية، فعلى الرغم من ضخامة الإيرادات النفطية، الا ان البلد لم يشهد نموا حقيقيا طيلة السنوات الماضية، والمشكلة ان اعداد موظفي الدولة في تزايد، وحجم الانفاق هو الاخر في تزايد، وبالتالي استمرار المشهد على هذا الحال، يعني المزيد من التدهور في الجانب التنموي، لان الدولة ستبقى دائما حائرة في كيفية سداد مرتبات موظفيها، لاسيما في الأزمات ( الازمة الراهنة انموذجا) والمشكلة الأخرى المرتبطة بهذا المقطع، هي ان اكثر من 50 ٪ من هذه الكتلة النقدية يذهب إلى الخارج لأغراض استيراد متطلبات الحياة( مأكل وملبس ودواء وغيرها)، وهذا اثر سلبا في الصناعة المحلية .
اما الشق الثاني، فيتمثل بالـ(30 ٪) المتبقية من الايرادات، والمخصصة للجانب الاستثماري الحكومي الذي واجه الكثير من المشكلات، واول هذه المشكلات، هي مشكلة الفساد، الذي عصف بالكثير من الجهود، والمشكلة الثانية تتمثل بالاضطراب الامني والمالي وعدم الاستقرار السياسي، ففي الجانب الامني مثلا، في عام 2014 تسببت عصابات" داعش" الارهابية بتدمير الكثير من المشاريع التي كانت على قيد التنفيذ او الموجودة أصلا في قطاعات مختلفة، وقُدرت الاضرار بحوالي 100 مليار دولار ، وفي الجانب المالي، فقد الجأت الازمة المالية التي شهدها العراق في النصف الثاني من عام ٢٠١٤ وما تلاها الحكومة الى اتخاذ قرار بايقاف اكثر من 6 آلاف مشروع كانت على قيد التنفيذ، كان قد انفق عليها نحو 100 مليار دولار، ولو قُدر لها أن تنجز لتغير الكثير من حوارات المشهد التنموي، وفي الجانب السياسي، فقد كانت للخلافات السياسية ظلال سلبية على واقع المشاريع الاستثمارية، ما ادى الى عدم تنفيذ بعضها وتلكؤ البعض الاخر..
ولكن على الرغم من كل ذلك فقد أنجز الكثير من المشاريع المهمة ، في التعليم والخدمات(الماء والمجاري) والطرق والجسور وغير ذلك.
وتأسيساً على ما مضى من القول، فان الحديث عن تحقيق أهداف التنمية، مع بقاء ذات التحديات لن تكون له اي مساحة او صدى في ارض الواقع..
 
إذن ما الحل؟
الحل يكمن في عدة مسارات، الأول إطلاق يد القطاع الخاص، مع توفير جميع الظروف التي تتطلبها عملية إطلاق اليد هذه، وبأسرع وقت، وبضمن هذا التوجه، ينبغي الاهتمام بالمشاريع الشبابية، لاسيما المشاريع الزراعية والصناعات التحويلية، وبضمنه أيضا، ضرورة مشاركة القطاع الخاص في إكمال المشاريع الحكومية المتوقفة، وهي كثيرة ومهمة جدا..
أما المسار الثاني، فيتمثل بإطلاق الاستثمار الأجنبي في العراق، وفق منظومة قوانين تتماشي مع تطور الأساليب الاستثمارية، وهنا بالإمكان أيضا وبعد دراسة جدوى الفكرة، تشغيل المصانع والمعامل والشركات الحكومية ، عبر مبدأ الشراكة او الخصخصة بنحو كامل وفق شروط مدروسة. وبذات الأسلوب (المشاركة) في إنجاز المشاريع المتوقفة.
وثمة مسار ثالث يذهب باتجاه السيطرة وضبط موارد الدولة الكثيرة، ومنها مثلا المنافذ الحدودية والجمارك والضريبة وغيرها ، وقبل هذا وذاك، ومن اجل تحقيق هذا وغيره، فان الأمر يتطلب استقرارا امنيا وسياسيا، وتجفيف منابع الفساد، وبذلك فقط يمكن أن نتحدث عن اخراج التنمية من ركام حطامها، والانطلاق في مسارات نهضوية
 حقيقية..