جاسي سون
ترجمة: مي اسماعيل
قبل الجائحة كان الاقتصاد الاسباني، ينمو بوتيرة أسرع بكثير من متوسط معدل منطقة اليورو، بينما كانت ألمانيا على اعتاب الانكماش الاقتصادي؛ حيث أدت نقاط الضعف القديمة إلى تراجع التنمية. تعتمد اكبر اقتصادات اوروبا بشكل كبير على التصدير؛ الذي ضربه تراجع التجارة العالمية، بينما باتت صناعة السيارات تتصارع فعليا مع التحول الى السيارات الكهربائية.
ولكن حينما انتشرت جائحة كورونا في اوروبا خلال النصف الأول من العام الحالي، تقلص الاقتصاد الاسباني بنحو 22 بالمئة، أي نحو ضعف تقلص الاقتصاد الألماني الذي بلغ نحو 12 بالمئة.
وهكذا باتت رحلة التعافي الاقتصادي تتخذ منحى مختلفا ايضا؛ إذ ارتفعت معدلات مبيعات التجزئة الالمانية لما يفوق مستويات ما قبل الجائحة؛ بينما ما زالت مثيلاتها الاسبانية في
تعثر.
كان من عوامل تأخر التعافي الاقتصادي الاسباني: السرعة التي انتشرت بها الجائحة خلال شهري آذار ونيسان الماضيين؛ ثم تسارُع الاصابات بعد نحو شهرين.
كان الاغلاق الذي فرضته اسبانيا أقسى منه في ألمانيا؛ والاقتصاد الاسباني أكثر عرضة للضرر بسبب اعتماده على السياحة، كما تعاني اسبانيا قضايا هيكلية مثل سوق العمل غير الفعالة؛ فنسبة بطالة الشباب تفوق اربعين بالمئة، ونسب عالية من المصالح الاقتصادية الصغيرة التي لا تمتلك احتياطيات مالية عميقة تكفي لمواجهة الأزمة، ورغم أن اليورو المتعافي يُضعِف قدرة التنافس لدى المصدرين الألمان؛ يرى "ملفين كراوس" الزميل الأول الفخري في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، أن من المرجح أن يضرب سعر صرف العملات المصدرين الأوروبيين الجنوبيين بقوة أكبر نظرا لحقيقة أنهم غالبا أكثر حساسية تجاه السعر، كل تلك المعطيات تُلمّح أن المفوضية الأوروبية تتوقع انخفاض الناتج الاسباني بنسبة 10.9 بالمئة هذا العام؛ وهذا أكثر بكثير من النسبة المتوقعة لألمانيا وقدرها 6.3 بالمئة.
تعافٍ قلق
يُحذر خبراء الاقتصاد أن هذا التعافي مزدوج السرعة (وفيه يتعافى الشمال الأقوى ماليا بسرعة اكبر من الجنوب المثقل بالديون)؛ من شأنه زيادة ضغوط السوق النقدية وتأجيج القلق السياسي وتعقيد مهمة الزعماء السياسيين في بروكسل وفرانكفورت.
تقول الخبيرة الاقتصادية "لينا كوميليفا": "وسّعت الجائحة من الاختلافات الهيكلية بين شمال وجنوب منطقة اليورو؛ مما يزيد من صعوبة وضع السياسة النقدية للمنطقة بأسرها". حتى الآن منع البنك المركزي الأوروبي فعليا تكرار أزمة الالتزامات المالية، التي كادت تطيح بمنطقة اليورو عام 2012؛ بشراء سندات الحكومة الفيدرالية وضخ ترليونات اليوروهات من السيولة الرخيصة للغاية في النظام النقدي؛ مع الحفاظ على تغطية نفقات الإقراض.
لكن كوميليفا تقول: "ما لم نرغب أن ينتهي الأمر بامتلاك البنك المركزي الأوروبي لنصف مجموع الديون الحكومية لمنطقة اليورو؛ فنحن بحاجة إلى معالجة هذا التفاوت". وحذرت "كريستين لاغارد" المعينة كرئيسة البنك المركزي الأوروبي مؤخرا من ذلك التفاوت؛ لكنها عبرت عن الأمل أن يساعد صندوق التعافي الأوروبي البالغ 750 مليار يورو بتقليل الضرر.
لكن الواقع أن سياسة التعافي الاسبانية انتهى بها المطاف لتكون موضوعا للمشاحنات السياسية؛ وما زال على مدريد وضع مقترحات شاملة لاستثمار 140 مليار يورو من أموال الاتحاد الأوروبي ستحصل عليها خلال أكثر من 5 سنوات.
وبينما تضغط الحكومة الفيدرالية للأقلية اليسارية على البرلمان لتمرير أولى ميزانيات اسبانيا منذ نحو سنتين؛ ترغب معارضة يمين الوسط بقيام مؤسسة مستقلة بإدارة التكاليف؛ لمنع التلاعب والتشوه بسبب المحسوبية والعوامل السياسية التي يجب مراعاتها.
هذه الازمة ستؤثر بشكل استثنائي في الموارد الاقتصادية العامة الاسبانية، لتزيد من تخلف مدفوعات الناتج المحلي الإجمالي من 96.5 بالمئة عام 2015 إلى ما قد يصل لنحو 128.7 بالمئة بحلول عام 2022؛ كما صرّح البنك المركزي مؤخرا. أما المانيا فهي أقل تعرضا للضغوط الاقتصادية؛ فبعد سنوات من فوائض خطة الميزانية؛ ستواجه عجزا هذا العام، مما سيرفع التزاماتها المالية على الصعيد الوطني إلى 75 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي؛ كما يقول البنك الفيدرالي الالماني في برلين، ضمن أكبر خطة للاصلاح المالي، وتوسيع عمل خطة الاصلاح قصيرة الامد، التي دعمت بالفعل أكثر من 5 ملايين وظيفة، من 12 إلى 24 شهراً.
صحيفة «ذا فاينانشيال تايمز»