"لا يوجد أدنى شك أنَّ روسيا تستهدف قادة العالم" حسبما يقول بروس شناير، المحاضر في كلية كينيدي التابعة لجامعة هارفارد.
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم يكن ذلك يمثل مشكلة كبيرة، فقد كانت الأجهزة الشخصية الوحيدة التي يمكن قرصنتها هي الكمبيوترات والهواتف المحمولة غير الذكية.
لكن لماذا يحتاج الرئيس إلى هاتف محمول، في الوقت الذي يستطيع الاتصال بأي شخص حول العالم عبر خط هاتف آمن؟.
كل شيء قد تغير منذ أن تولى باراك أوباما منصب الرئيس في العام 2009. لقد كان متعلقاً جداً بجهاز هاتفه من ماركة "بلاك بيري" وخاض معارك مع مسؤولي الأمن على مدى أسابيع للاحتفاظ به.
وفي النهاية تم التوصل إلى حل وسط حيث "سمح له بالاحتفاظ به للتواصل مع كبار المسؤولين ومجموعة صغيرة من الأصدقاء الشخصيين" حسبما قال مسؤول أميركي.
منذ ذلك الحين، ازداد عدد الأجهزة التقنية التي قد يرغب الرئيس في استخدامها بشكلٍ مطرد، وبات الأمر يؤرق مسؤولي الأمن المكلفين بأمن رئيس البلاد وحمايته ضد أي قرصنة الكترونية محتملة .
آيباد أوباما
عندما تم طرح أجهزة الآيباد في الأسواق عام 2010، أراد الرئيس اوباما اقتناء أحدها. لذلك ابتكر مستشارو الأمن القومي جهازاً شبيهاً بالأيباد اطلقوا عليه اسم "أوباما باد"، وهو جهاز آيباد أكثر متانة وأمناً من تلك المنتشرة في الأسواق. وقال مستشار سابق، إنه تم تزويد الموظفين المحيطين بالرئيس بأجهزة مماثلة.
ويقول آري شوارتز ، مسؤول الأمن الالكتروني السابق في مجلس الأمن القومي: "خلال حكم أوباما كان من الشائع بالنسبة لكبار الموظفين امتلاك أجهزة آيباد خاصة بهم لكن بعد إدخال بعض التعديلات عليها".
لكن ظلت البنية التقنية للبيت الأبيض قديمة إلى حدٍ ما. ويوضح شوارتز أنه: "لم تكن هناك شبكة واي فاي في البيت الأبيض، وقد خضنا بالفعل نقاشاً محدوداً حول إمكانية إقامة هكذا شبكة، وطرحنا أسئلة من قبيل لماذا لا توجد لدينا في البيت الأبيض خدمة واي فاي؟". "واجهتنا مخاوف من قبيل أننا قد نفتح الباب أمام ظهور ثغرات أمنية".
وفي نهاية المطاف، حصلت أسرة أوباما على شبكة واي فاي لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب حسب ما قالت أسرته.
عدم ثقة ترامب
كما أن دونالد ترامب، الذي يمكننا القول إنه كان أشهر رجل على موقع تويتر خلال فترة ولايته، أصرّ على استخدام هواتف شخصية، لكنه كان يبدل أجهزة الهاتف التي كان يستعملها مراراً وبفواصل زمنية قصيرة لأسباب أمنية.
ويشاع أنَّ ترامب لم يكن يثق كثيراً بأجهزة الكمبيوتر وبالبريد الإلكتروني، وكان يستخدم الطريقة التقليدية في كتابة الرسائل على الورق في معظم اتصالاته.
إذا كانت أجهزة الآيباد قد حرمت المستشارين التقنيين من النوم عدة ليال في عهد أوباما، فإن شبكة الإنترنت التي تتحكم اليوم بالكثير من المعدات والأجهزة حولنا، بمثابة كابوس دائم لهم في الوقت الراهن.
يقول شناير: "كل شيء قد تحول إلى كمبيوترات معرض للخطر، سواء كان ذلك دراجة بيلوتون أو هاتفاً محمولاً أو ثلاجة أو منظم الحرارة أو ألعاباً أو سيارتك... فجميعها معرضة للقرصنة الالكترونية".
وهذه مشكلة بالنسبة للرئيس بايدن الذي يبدو أنه يحب الاحتفاظ بأجهزته الخاصة.
فقد التقطت له صورة وهو يرتدي ساعة آبل ذكية، ويقال إنه يمتلك دراجة تمرينات رياضيَّة من نوع بيلوتون المزودة بشاشة كمبيوتر وكاميرا وميكروفون، وكلها متصلة بشبكة الإنترنت.
يقول شناير: "يمكنك إجراء بعض التعديلات على الأجهزة كتعطيل الكاميرا مثلاً، وهذا شيء بإمكان وكالة الأمن القومي القيام به، وقد يكون ذلك أكثر أماناً".
ويستطرد قائلاً: "لكنها قد تؤدي أيضاً إلى إلغاء أهم الميزات التي كانت الدافع وراء اقتنائها في المقام الأول".
ويقول هربرت لين من جامعة ستانفورد: "من النادر جداً أن تجد جهازاً غير قابل للقرصنة والاختراق، ومعظم الأجهزة غير القابلة للقرصنة عديمة الفائدة إلى حد كبير و لا تنفع في عمليات التواصل والاتصالات".
التكنولوجيا الذكية غير آمنة
الشيء الأكثر أماناً هو ببساطة التخلي عن الأجهزة ذكية تماماً. لكنْ، كما أثبت الرئيسان السابقان، من الصعب إلزام الرئيس بذلك.
ووفقاً لكاتب سيرة بايدن، إيفان أوسنوس، يستخدم الرئيس تطبيق "آبل نيوز" أيضاً، وقد تكون هذه مشكلة إضافية.
"في الواقع، قد تكون مسألة حماية البرامج من أصعب الأمور، فمن الصعب جداً توفير أمان جيد إذا تعلق الأمر بالبرمجيات، لأنها كلها تُحدَّث عن بُعد" حسبما قول شوارتز.
مضيفاً "ربما تكون آمناً تماماً في اليوم الذي تشتري فيه المنَتج، ولكن بعد مرور عام، قد يأتي أحد ما ويثبت برامج خبيثة ضارة تقوض الأمان الذي كنت تمتلكه عند شرائك للمنتج لأول مرة".
ويقول: "كل الأجهزة قد تكون فيها ثغرات أمنية؛ تطبيق آبل نيوز وغيره، لأنها جميعاً متصلة بالانترنت، وكل هذه الأجهزة متربطة ببعضها لذلك فإنَّ المسألة معقدة للغاية".
"لذلك فإن التخلي عن الأجهزة الذكية أفضل حلٍ من الناحية الأمنية، حتى لو كان ذلك أمراً بعيد المنال".
كابوس
في أواخر العام الماضي، تعرضت العديد من المؤسسات والهيئات الحكومية الأميركية لعملية قراصنة واسعة النطاق من قبل قراصنة يشتبه بأنهم كانوا روساً.
ولم يتم الانتباه لما حدث إلا بعد مرور عدة اشهر.
وأظهرت عملية القرصنة تلك أنَّ الجهات الأجنبية تبحث عن ثغرات في الأمن الالكتروني في الولايات المتحدة، وأنه ثمة ثغرات يمكن العثور عليها.
والسيناريو الذي يعد بمثابة كابوس هو وصول القراصنة لهاتف الرئيس من دون أنْ يستطيع أحد اكتشاف ذلك.
والاختراق الذي حدث مؤخراً، وصل إلى دائرة قريبة جداً من البيت الأبيض وهذا الأمر مبعث قلق الفريق الأمني الخاص بالرئيس بايدن.
ويقول لين: "لنفترض أنَّ جهاز آيفون الخاص بالرئيس تعرض للقرصنة، سنكون إزاء سيناريو أشبه بالوصول إلى جهاز يقدم سيلاً مستمراً من المعلومات التي لا تقدر بثمن". لذلك يدخل بايدن البيت الأبيض وهو يشعر بالقلق من وضع الأمن الالكتروني هناك.
وغالباً تفشل الأجهزة الأمنية في تحقيق التوفيق بين رغبات الرئيس والمتطلبات الأمنية التي يجب توفيرها له.
ربما يكون الرئيس بايدن أقوى شخص يحكم أقوى دولة في العالم، لكنه قد يخوض معركة للحفاظ على الأدوات والأجهزة الذكية التي يعدها الكثيرون أمراً مفروغاً منه.