الأرملة.. أهملها المجتمع ولم تنصفها التشريعات

ريبورتاج 2021/06/24
...

  قاسم موزان 
 خصصت الجمعية العامة للامم المتحدة يوم 23 حزيران للاحتفال بالارامل، اعترافاً بما قدمته الارملة واطفالها في مواجهة مرارة شظف العيش، ومن اجل  لفت انظار العالم الى واقعها المرير في ظروف بالغة القسوة والمعاناة الانسانية في اجواء المشكلات الصعبة التي تختنق فيها البشرية وتعيق الانتباه الى واقعها المؤلم من فقر وجوع وتشريد، وخلفت الحروب السابقة والاعمال الارهابية في العالم، وخصوصا في العراق آلاف الارامل، وكل هذا في غياب احصائيات دقيقة وتشريعات تحمي حقوقهن في ابسط شروط الحياة.
واوضحت رئيسة منظمة «لأجلها» المحامية مروة عبد الرضا «بعد الحرب ضد داعش الارهابي زرت مجموعة من الارامل لتدريبهن بشأن التمكين الذاتي للمرأة وشاهدت طفلة ارملة واماً، وحدثتني قائلة انها تولد 2006 وقد توفي زوجها قبل 3 سنوات ولديها طفلان ترعاهما بمساعدة اهلها، وتحدثت بألم وبراءة حول معاناتها في اثبات زواجها ونسب اطفالها، لان الكثير من الزواجات تكون تحت السن القانونية وبعقد خارج المحكمة ما يصعب على الزوجة اثبات الزواج وتستمر في سلسلة من المراجعات للمحاكم والدوائر المعنية، ولديها رغبة  بالعودة للدراسة ولكن امكانياتها المادية لا تسمح بذلك فهي تفضل طفليها واحتياجاتهما على نفسها واهدافها المشروعة، تلك الطفلة التي يعاملها القانون معاملة البالغة فقط لكونها تزوجت وترملت ويطلب منها اثبات جميع ما مرت به بوثائق لا تعي ماهيتها، ويوجد مثلها الآلاف حتى أن بعضهن ممن ليس لديهن اطفال فضلن عدم توثيق الزواج على الدخول في معترك المحاكم وصعوباتها في الاثبات، ولو احصينا عدد الارامل الاطفال ممن هن دون السن القانونية لادركنا حجم المشكلة التي يتناساها الاعلام، لذا في يوم الارملة العالمي نسلط الضوء على الارامل المعيلات لاطفال وهن اطفال والصعوبات التي تعانيها تلك الفئة من النساء كونها لا تزال شابة في مقتبل العمر وقد تتعرض لابتزاز ومساومات في سبيل الحصول على حقوق اثبات زواجها واثبات وجود اطفالها قانونا حتى ان منهن من اجبرت على الزواج بشقيق زوجها خوفا على اطفالها وسجلوا باسمه عوضا عن والدهم الحقيقي».
 
مساءلة ومحاسبة
في هذا السياق قال ا.م.د. نوري ياسين هرزاني في وزارة التعليم العالي في اقليم كردستان العراق: الارملة بمفهومها الظاهر وحقيقتها الصعبة تختلف من مجتمع الى آخر، فهي في المجتمعات المفتوحة والمتقدمة وبسبب الرعاية التي تقدمها مؤسسات الدولة لها لا تشعر بالمشكلات التي تعانيها في المجتمعات الثانية، لان نظرة المجتمع القيمي كمجتمعنا العراقي للمرأة الارملة تغيرت عما كانت عليه قبل الترمل، اذ يكون موقعها حساساً داخل الاسرة والمجتمع ويجب أن تكون حذرة دائماً في سلوكها وعلاقاتها مع الاخرين،  واشارت عبد الرضا الى تعرض الارملة الى المساءلة والمحاسبة من الاسرة وقد تتعرض المرأة الارملة في مجتمعنا الى الكثير من المشكلات ومنها شعورها بالعزلة بسبب فقد زوجها الذي كان يلعب الدور المهم في لم شمل الاسرة وبفقدانه فان جميع المسؤوليات تقع عليها، خاصة ما يتعلق بتربية الابناء وعدم الاستقرار النفسي وهي حالة صعبة جداً بالنسبة للمرأة و هذا يأتي بسبب نظرتها الى مستقبلها من دون رجل و تتعرض الارملة في مجتمعنا الى مشكلة اجتماعية اخرى وهي عدم استطاعتها مواجهة الصعوبات التي تعترضها داخل المجتمع كالصعوبات الاقتصادية خاصة، فضلاً عن مشكلات اخرى قد تعيق مسيرتها مثل تدخل اهل الزوج بحياتها وضغوط اهلها اذا كانت في عمر يسمح بالزواج
ثانية.
 
إنصافهن
يرى القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي ضرورة إنصاف الارامل في يومهن العالمي في كل مجتمع وخصوصا في المجتمع العراقي الذي تعرض للحروب والارهاب، الامر الذي ترك عددا كبيرا من الارامل، ما يتطلب العمل الحثيث وبذل الجهود الاستثنائية لمواجهة الفقر والظلم والعوز والحرمان الذي واجهته آلاف الارامل واسرهن، فضلا عن استمرار جائحة كورونا التي تسببت بزيادة اعداد الوفيات وترمل النساء ما يجعل اوضاعهن اكثر تعقيدا ويزيد من معاناتهن مع انعدام مصادر الدعم الاجتماعي والاقتصادي والاسري وغياب التدابير والاجراءات العاجلة التي تجعلهن قادرات على مواجهة التحديات، وتابع الزيدي: القوانين العراقية جاءت منصفة للأرامل وخصوصا قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل بما يتعلق باستحقاقهن للميراث وكذلك شمولهن براتب شبكة الحماية الاجتماعية لمن لا يتوفر لها مورد مالي او تقاعد وفقاً لقانون الحماية الاجتماعية رقم (11) لسنة 2014 الذي اعتبر الارملة هي كل امرأة يقل عمرها عن 63 سنة وتوفى عنها زوجها ولم تتزوج بعد وفاته لغرض توفير الاستقرار النفسي والمادي بما يؤمن الحياة الكريمة، كما ان المشرع العراقي قد شجع الزواج من الارامل، اذ لا يعتبر الزواج من ارملة زواجا بأكثر من واحدة أي يعني لا يتطلب من الزوج الحصول على حجة اذن بالزواج في حالة زواجه من ارملة، ان المشرع العراقي اصدر القرار (863) لسنة 1988 والذي بموجبه تمنح سلفة لمن يتزوج بأرملة، كما تم شمول الارامل بتوزيع الاراضي السكنية والقروض، ورغم انضمام العراق الى اتفاقية القضاء على اشكال التمييز ضد
المرأة. 
نجد من الضروري تمكين الارامل ومساعدتهن وخصوصا في المناطق التي تحررت من داعش الارهابي، وايجاد فرص عمل لضمان توفير احتياجاتهن الاساسية وتقديم المساعدة المادية والسلات الغذائية وخصوصا في اوقات الحظر وتخصيص صندوق لتقديم الرعاية والدعم الكامل للنساء الارامل، كما من الضروري تشريع قانون لحماية النساء الارامل يتضمن حقوقهن من قبل مجلس النواب والاهتمام بملف الارامل ووضع الخطط الحكومية المناسبة لتمكينهن اجتماعيا واقتصاديا.
 
مأساة داعش
في بداية حديثها حيت رئيسة مركز حقوق المرأة الانسانية د. مها الصكبان، ارامل العالم في يومهن وخصوصا الارملة في العراق، واشارت الى تزايد نسبة الارامل بسبب الحروب والصراعات والاضطهاد التي يمر بها العراق، إذ يخوض الحروب بالنيابة كما حدث في الاعوام من 1980 ولغاية ،2003 ومواجهات على أساس الهوية والديانة والقومية من 2003 ولغاية اليوم ليكون العراق ساحة حروب وتصفية حسابات بديلة لدول اخرى، كذلك مأساة داعش والايزيديات والمسيحيات والمسلمات من الطائفتين، فهذا الوضع قد تسبب بالضرر الأكبر للنساء، فكم من امرأة قتل زوجها أو خطف أو اختفى قسريا وتصبح بذلك الزوجة معلقة لا تعرف مصير زوجها المخطوف.
يضاف إلى ذلك قصور حكومي واضح تجاه هذه الفئة اذ لا توجد احصائية رسمية بشأن اعداد الأرامل وبالتالي فإن الدعم المتوفر لبعضهن لا يلبي احتياجات معيشتهن وأطفالهن، واضافت الصكبان: ليس كل النساء الأرامل يتم شمولهن برواتب الرعاية الاجتماعية، إذ ان الأرامل اللواتي لديهن دخل أو مهنة لا يتم شمولهن وليس كل الأرامل المعوزات مشمولات، ومن هذا المنبر نطالب الحكومة بشقيها التشريعي والتنفيذي بانصاف هذه الشريحة ماديا ومعنويا واجتماعيا واعادة دمجهن في المجتمع، إذ يقاس رقي الأمم بمدى تمتع جميع فئات المجتمع بالحقوق والحريات المنصوص عليها.
 
إجراءات حكوميَّة
تزايدت اعداد الارامل في العراق بشكل كبير جدا مع بقاء الآليات المؤسساتية ذاتها، فالتعويض الحكومي المستمر لهذه الفئة المقهورة لا يتعدى الاعانة الشهرية التي تقدمها وزارة العمل للارامل واطفالهن والتي لا تتجاوز كحد اعلى 450 الف دينار في حال كان لديها 6 اطفال وهي لا تتناسب باي شكل مع تنامي الاحتياجات الاسرية ولا تواكب متطلبات التعليم والعيش بكرامة، هذا ما صرحت به الناشطة هناء حمود عباس من شبكة النساء العراقيات، لافتة الى ان غالبية الارامل ينحدرن من اسر فقيرة، اذ تترمل الفتيات وهن في سن مبكرة دون 18 سنة وليس لديهن مورد عيش مستقل وهنا تكمن معاناة الارامل الاقتصادية في ظل بيئة مجتمعية لا تنصفهن، اذ ان بداية الترمل هي بداية للعنف ضدهن ابتداء من العنف الاسري الى العنف المجتمعي من دون مراعاة لظروفهن النفسية ومعاناتهن بعد الترمل والمسؤولية التي ستلقى على عاتقهن في ادارة شؤون الاسرة
بالكامل.
فلا بد من اجراءات حكومية مستدامة تدعم الارامل اقتصاديا واجتماعيا، فما وضع الترمل الاجتماعي الا نتيجة لسياسات خاطئة كن هن ضحاياها.