الرئيس الإيراني بين مراهنات اليمين الأصولي وتوقعات الوزارة المرتقبة

قضايا عربية ودولية 2021/08/02
...

 جواد علي كسار
لم تثر أي دورة من الانتخابات الرئاسية الإيرانية السابقة، مثل الجدل الذي أثارته الدورة الحالية حول تشكيل الوزارة المرتقبة؛ ما يُؤشر بنظر المراقبين للشأن الإيراني، إلى خلل مزدوج يتوزّع بين شخصية الرئيس الجديد، ومقدّمات العملية الانتخابية نفسها.
 
بشأن إبراهيم رئيسي فقد صرّح أنه مرشّح مستقل، وهذا وهم من أوهام السياسة في إيران، فلا وجود لمرشّح مستقلّ بمعزل عن القوى السياسية والمراكز المؤثّرة في صناعة القرار، وأيّ مرشّح لو كان مستقلاً فعلاً، يشارك بطاقته الذاتية وحسب، لن يحصد إلا أصوات ضئيلة، قد تقلّ عن ربع مليون صوت.
أما عن مقدّمات العملية الانتخابية، فيبرز الخلل في غياب الخريطة الحزبية القارّة الراسخة، تاركة المشهد لفرشة عريضة من التيارات الدائمة عميقة الجذور، وإلى جوارها عشرات الأسماء والمسمّيات الموسمية الطارئة، التي تؤدّي دورها إبّان الانتخابات، ثمّ تختفي. وهذه الضجّة المبالغ بها اليوم، عن الوزارة المرتقبة، بكلّ ما تحفل به من توقّعات وحدوس وتكهّنات، تختلط فيها الحقيقة بالشائعات؛ ما هي سوى نتيجة من نتائج ذلك الخلل البنيوي، وتحصيل حاصل لتلك المقدّمات المضطربة.
 
تحذيران
جميع القوى السياسية التي لعبت دوراً فاعلاً في وصول إبراهيم رئيسي إلى السلطة، تُعلن في بياناتها الرسمية أنها لا تبحث عن ثمنٍ لموقفها، ومن ثمّ فهي لا تريد حصة في السلطة والوزارة المرتقبة، وفي الوقت نفسه فإن هذه القوى ذاتها، تسعى لفرض إملاءاتها على الرئيس الجديد بصيغ مواربة وملتوية، وهي تأمل أن تحصد أكبر حصة تستطيع الحصول عليها من المواقع العليا. وهذه ليست مفارقة تختصّ بآلية العمل السياسي في إيران وحدها، قدر ما هي تعبير أصيل عن خصائص السياسة وآلية عمل السلطة في كلّ مكان.سأكتفي بالإشارة إلى واقعتين تكشفان عن حجم الضغوط التي تفرضها القوى السياسية على الرئيس المنتخب، لكي تضمن حصتها في حكومته الجديدة.
تعود الواقعة الأولى إلى الشخصية الأصولية محمد حسين صفار هرندي، وزير الإرشاد في حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد والعضو حالياً في مجمع تشخيص مصلحة النظام، فقد ظهر هرندي في تسجيل مصوّر من ثوانٍ قليلة، أثار ضجّة لا تزال لم تهدأ في إيران بعد، حتى مع اتهامه الآخرين، بأنهم عبثوا في التسجيل تقطيعاً وترتيباً، لكي يؤدّي رسالة خاطئة. جاء في هذا التسجيل قول صفار هرندي، إن المرشد السيد علي خامنئي أوصى إبراهيم رئيسي في لقاء معه؛ بأن لا يصغي لهذا أو ذاك، ولا يقع تحت تأثيرهم؛ وأن لا يتدخّل المقرّبون منه ويكون لهم دور في تشكيل الوزارة المرتقبة.
الواقعة الثانية قريبة جداً، تعود إلى السيد أحمد علم الهدى والد زوجة إبراهيم رئيسي وإمام جمعة مشهد، فقد حذّر علم الهدى الجمعة الماضية ضمن صلاة الجمعة بمدينة مشهد، أولئك المتربصين بالرئيس الجديد، وهم يمارسون فنوناً مختلفة من الضغوطات الظاهرة والباطنة، الجاهرة والخفية لكي تكون لهم حصّتهم في الحكومة القادمة؛ حذّرهم وحذّر منهم؛ حذّرهم بأنهم لن ينالوا أيّ منصب، وحذّر منهم بأنهم سيلجؤون إلى التخريب، وهو قوله نصاً: "من له طمع بالمنصب؛ ومن شارك في الانتخابات وفي المراكز الانتخابية لكي يكون له نصيب من المناصب ويأخذ حصته منها؛ كلّ هؤلاء الذين يعجزون عن الحصول على منصب ولن يكون لهم منصب؛ سيبادرون إلى التخريب".
 
مأزق النافذة الإلكترونية
أراد لها أن تكون حلاً، فتحوّلت إلى مأزق؛ هذه باختصار هي قصة مشروع النافذة الإلكترونية، التي فتحها رئيسي لاستقبال الآراء والمقترحات، حول المواقع الرئيسية والمفصلية في الجهاز التنفيذي، بدءاً من الوزراء ووكلاء الوزراء والمدراء العامّين والدرجات الوظيفية الخاصة.
قد تكون نوايا إبراهيم رئيسي طيبة في استقطاب طاقات الجميع، عندما طلب من الكلّ أن يكتبوا أسماء من يريدون ترشيحه. وقد يعود السبب إلى فقر تجربته في السلطة التنفيذية، فقد سلخ أربعين عاماً من عمره داخل قنوات القضاء والسلطة القضائية، فهو بها أعرف من السلطة التنفيذية، التي نزل على قمتها وحطّ رحاله فيها، من دون سابقة وتجربة عمل مباشر. أخيراً، ربما جاء مشروع النافذة الإلكترونية لأسماء المرشحين للمواقع التنفيذية، بمنزلة حلّ أو تسوية بين أنصاره ومؤيّديه من جهة، ومناوئيه ومعارضيه من جهة أخرى؛ عندما فتح لهم النافذة ليعطيهم فرصة متساوية للمشاركة بآرائهم ومقترحاتهم.
لكن ما لبث أن انقلب مشروع النافذة على نفسه، عندما وجّهت له رموز سياسية مهمّة، نقداً منهجياً ومهنياً عميقاً. فالنافذة قد تصلح لمهرجانات محلية شعبية، أو انتخابات نوادٍ رياضية واجتماعية وترفيهية، أما إدارة الدولة وبمن تناط مسؤولية هذه المهام، فهي عملية تخصّصية، تعود إلى أهل الخبرة والمهنية والاختصاص، بعيداً عن هذه الشعبويات والوسائل الاستعراضية، حتى مع خلوص النوايا وسلامة الدوافع. كتب أحد القيادات الأصولية ومن رموز حزب المؤتلفة الإسلامي، الوزير الأسبق والنائب الحالي مصطفى مير سليم؛ كتب ناقداً: "وإن كان حسن نية السيد رئيسي واستعانته بالناس ومشورتهم، هو أمرٌ حميد، لكن انتخاب الوزراء هو من الوظائف الأساسية لرئيس الجمهورية، التي ينبغي أن تتمّ من خلال مشاورة أهل الخبرة والاختصاص والتدبير، وتنتهي عبر نيل ثقة البرلمان، وليس من خلال الرأي العام".
 
أزمة مخرجات النافذة
يستدلّ من انتقد مشروع النافذة الإلكترونية بالنتائج التي تمخّضت عنها، وأن هذه النتائج هي دليل على أزمة هذا الأسلوب في التعامل مع قضية اختصاصية مهنية معقّدة، مثل تأليف الوزارة، والمعطيات الرقمية هي خير شاهد لهؤلاء النقّاد الذين رأوا فيها خطوة بدائية ساذجة، وشعبوية تناغي عواطف الجمهور، ولا تقدّم حلاً.
فقد تضمّنت سلّة المقترحات شريحتين بارزتين، هما المعلمون الذين بلغ تعدادهم (4251) معلماً، تلاهم الصناعيون وقد بلغ تعدادهم (925) شخصاً. كما كوّن حملة الدكتوراه ممن شارك في تقديم الاقتراحات ما نسبته 36 ٪، أضف إلى ذلك (340) نفراً برتبة وزير ومعاون وزير أو ما يعادل ذلك وظيفياً، معهم (1350) من أعضاء الهيئات العلمية في الجامعات.
على خطّ آخر، بلغ من رُشّح على نافذة "اقتراح المدراء" (2250) مرشحاً من أعضاء الهيئات العلمية للجامعات ومن العاملين في مراكز البحوث، يُضاف إليهم (230) من الوزراء السابقين ومن معاوني رئيس الجمهورية أو من هو برتبتهم، مع (780) شخصاً كانت لهم خلفية وظيفية برتبة معاون وزير أو ما يعادلها. بلغت نسبة حملة الدكتوراه التخصّصية من بين المرشحين، ما نسبته 55 ٪، وقد رُشّح (2526) من هؤلاء من قِبل جماعات تخصّصية مثل الاتحادات والجمعيات العلمية، وقد بلغ تراوح المعدّل العمري لـ 36 ٪ من هؤلاء المرشحين، بين (40) إلى (50) سنة، وكان أصغر المدراء المرشحين سناً قد رُشّح لوزارة الاتصالات، وأكبرهم لوزارة الخارجية.
أمام هذه اللوحة الرقمية العريضة التي اختزلنا فيها الأرقام إلى حدٍ كبير؛ يتساءل الناقدون لهذا الأسلوب: كيف سيتمّ اختيار الأفضل، من بين كلّ هذه الأرقام؟ وأليست هذه العملية، تمثّل تعقيداً جديداً أمام الرئيس الجديد، فضلاً عن شعبويتها وعدم مهنيتها، وأنها بعيدة كلّ البُعد عن التطبيق؟.
 
أطماع اليمين الأصولي
منذ نهاية عهد الرئيس أحمدي نجاد (في المنصب: 2005 إلى  2013م) شعر اليمين الأصولي بكلّ تياراته، بأنه ظلّ بعيداً عن السلطة التنفيذية لمدّة ثماني سنوات، آن لها أن تنتهي الآن، بوصول إبراهيم رئيسي إلى قمّة السلطة التنفيذية.
لكي نفهم جيداً مديات هذا الطموح، ومبلغ حرص هذا التيار على أن يكون له نصيب في السلطة، وسهم في الحكومة المرتقبة؛ من الضروري جداً أن نعرف خريطة القوى الأصولية. فالجبهة الأصولية اليوم، ليس هي ما كانت عليه في السابق، فقد شهدت تطوّراً من اليمين إلى اليمين الجديد، ومنه إلى الأصولية المحافظة، ومن الأصولية التقليدية المحافظة إلى الأصولية الجديدة، وهكذا.
تبسيطاً للمشهد وتسهيلاً لاستيعابه، يمكن أن نفكك القوى الأساسية في جبهة اليمين الأصولي، إلى التيارات الخمسة التالية:
1ـ جماعة العلماء المجاهدين (جامعه روحانيت مبارز).
2ـ مجلس وحدة التيار الأصولي (شوراى وحدت اصول گرايان).
3ـ مجلس ائتلاف تيار قوى الثورة الإسلامية (شوراى ائتلاف نيروهاى انقلاب اسلامى).
4ـ جبهة الصمود والثبات (جبهه بايدارى انقلاب اسلامى).
5ـ جماعة بل قل؛ تيار الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد.
التيار الأول المتمثل بـ"جامعه روحانيت" صرّح مرّات، أنه لم يلتقِ الرئيس الجديد، ولم يتحدّث إليه قطّ عن حصته في الحكومة الجديدة. وكذلك ذكر الناطق باسم "شوراى وحدت" المقرّبة من "جامعه روحانيت"، وزير الخارجية الأسبق منوشهر متقي؛ بأنهم امتثلوا لـ"تكليفهم" الديني والوطني وحسب في "تصعيد" إبراهيم رئيسي إلى المنصب، من دون أن يطمعوا بشيء من المناصب. وقد يمكن لنا التصديق بهذا الكلام البعيد عن منطق السياسة وطبيعة الحكم، لكن هل بمقدور إبراهيم رئيسي أن ينفكّ فعلاً، عن القوى التي أخذت بيده إلى قمّة السلطة؟.
أعتقد بأن الأمر يختلف كثيراً مع "شوراى ائتلاف" بقيادة غلام علي حداد عادل نسيب المرشد، إذ تتوارد التقارير والمعلومات والمواقف، عن ضغوطات تمارسها هذه الجبهة اليمينية الأصولية المتشدّدة، لفرض بعض الأسماء في الوزارة، حتى اشتهر ضغط حداد عادل شخصياً بفرض علي رضا زاگاني كنائب أول لرئيس الجمهورية (بروتوكولياً: رئيس وزراء)، وعندما أبدى رئيسي امتعاضه واستياءه من هذا التدخّل المقرف، تحوّل حداد عادل للسعي إلى فرض زا گاني عمدة لطهران، ولما افتضح أمر تدخله، صرّح في الإعلام أنه يكتفي بتقديم المواصفات العامة للمرشحين، ولا يتدخل بالمصاديق.
بيدَ أن الأخطر بل قل الأسوأ، من كلّ هذه الجهات، في ممارسة الضغط وأحياناً اللمز بالابتزاز والتهديد، هي "جبهه پايدارى" التي يرأسها اليوم وزير داخلية أحمدي نجاد صادق محصولي، ويتحكم بها هو ورئيسها السابق مرتضى آقا طهراني رئيس اللجنة الثقافية في البرلمان الحالي، يساعدهم في ذلك عدد غير قليل من البرلمانيين، ربما كان أعلاهم صوتاً مجتبى ذو النوري الرئيس السابق للجنة الأمن الوطني، الذي انهزم أمام منافسه وحيد جلال زاده، ولم يحظَ بثقة مناصريه لتجديد رئاسته لهذه اللجنة الخطيرة في البرلمان الإيراني.
تكاد المعلومات تجمع على أن "جبهه پايدارى" لن تقبل بأقلّ من ثلاثة وزراء في حكومة رئيسي. وبلغة الأسماء يطمح مجتبى ذو النوري بكرسي الداخلية أو وزارة الأمن، كما يطمح للحاق بالوزارة وترك البرلمان، العضوان المتطرّفان في الجبهة محمود نبويان ونصر الله بژمانفر، كما يودّ عضو الجبهة الآخر أحمد أمير آبادي ترك موقعه في البرلمان، وأن يكسب في الحكومة الجديدة صفة المعاون البرلماني لرئيس الجمهورية.
أعتقد بأن صحيفة "جوان" اليمينية أعطتنا ملخصاً مكثفاً، عن وسائل الطامحين للحصول على حصة في الجمهورية الجديدة، عندما ذكرت أن هؤلاء يمارسون ضغوطاتهم للفوز بالحصة، عبر "لوبيات" القوى الظاهرة والخفية، ومن خلال إبداء الاقتراحات، وتسويق أنفسهم عبر وسائل الإعلام، أو من خلال استغلال مواقعهم الوظيفية، أو إبداء الشفقة ولغة الحرص الكاذب، وأخيراً من خلال التهديد بعرقلة منح الثقة للحكومة في البرلمان.
 
بازار الأسماء والمناصب
الشيء المؤكد أن إبراهيم رئيسي اعتمد فريقاً مختصّاً من خمسة أفراد لاختيار أعضاء وزارته، لكن المختلف فيه هو أسماء هؤلاء الوزراء، إذ نجد أنفسنا أمام خليط من الحقائق والشائعات، والوقائع والتسريبات. على سبيل المثال هناك شبه إجماع في القوائم المسرّبة، على أن موقع النائب الأول للرئيس هو من نصيب محمد مخبر، بعد أن تراجعت حظوظ سعيد جليلي وزاگاني. كما تفيد التوقعات نفسها بإبقاء الجنرال علي شمخاني في موقعه أميناً للمجلس الأعلى للأمن الوطني بعد إبداء الرئيس عدم رغبته بسعيد جليلي، في حين لا تزال وزارة الخارجية تتردّد بين حسين أمير عبد اللهيان وعلي باقري كني ومهدي صفري، والنفط للجنرال رستم قاسمي، ووزارة الصحة لقاضي زاده هاشمي.
بشأن وزارة الأمن "اطلاعات" وهي من الوزارات المفتاحية، تُتداول أسماء مصطفى پور محمدي وعلي عبد اللهي ومحمود نبويان وغلام حسين رمضاني. تدّعي التسريبات أيضاً، أن الفريق الاقتصادي لإبراهيم رئيسي حُسم لصالح فرهاد رهبر للتخطيط والميزانية، ومحمد رضا فرزين لوزارة الاقتصاد، ورضا فاطمي أمين لوزارة "صمت" التي نشأت من دمج وزارات ثلاث، هي الصناعة والمعادن والتجارة، يُضاف إليها مهرداد بذرپاش لوزارة العمل والرفاه الاجتماعي، ومحمد ولي علاء الديني أو محمد رضا فاتحي لوزارة 
الطاقة.
الغريب الذي نختم به هذه التوقعات، هو احتدامها حول وزارة قد تبدو لنا هامشية في العراق والعالم العربي، لكنها أساسية ضمن صراع القوى في إيران،
أقصد بها وزارة الثقافة والإرشاد 
الإسلامي.
أغلب التوقعات تشير إلى عزت الله ضرغامي المدير الأسبق لمؤسّسة الإذاعة والتلفزيون، والمرشّح الرئاسي المرفوض،
لكن يصطفّ معه في الخيارات الموازية محسن پرويز ومحمد مهدي اسماعيلي وعلي رضا مختار بور أمين مؤسّسة المكتبات العامة في 
إيران.
توقيتان زمنيان يضعان حداً لهذه التوقعات والتكهّنات؛ الأول هو تنفيذ حكم الرئيس المنتخب من قِبل المرشد،
وأداؤه اليمين الدستورية في الثالث من آب الحالي، والثاني تقديم وزارته للبرلمان؛ إلى ذلك الوقت تبقى البورصة مفتوحة على جميع الأسماء والتوقعات.