موازنات حكوميَّة.. بلا صدى

اقتصادية 2022/03/09
...

 د. حامد رحيم
 
تُثار بين الحين والآخر على لسان بعض المتابعين والمحللين مخاوف مفادها، أن تأخر إقرار قانون الموازنة الحكومية سوف يلقي بظلاله على الوضع الاقتصادي ويؤخر الاستحقاقات الاقتصادية، ولا يعرف على ماذا استندوا في رأيهم هذا؟.
المالية العامة في إطارها النظري تعمل لتحقق غايات محددة عبر أداتها الأساسية وهي الموازنة تتمثل بدفع عجلة (النمو  والاستخدام) في الاقتصاد، فضلا عن غايات أخرى، ويرصد ذلك عبر المؤشرات وأهمها هو الناتج المحلي الإجمالي وطبيعة مساهمة القطاعات الاقتصادية فيه ولا يخفى عن المتابع السياسات المالية التي تتبعها الدول في فترات الأزمات، خصوصا لغرض مواجهة دورة الانكماش الاقتصادي عبر رفع مستوى الإنفاق الحكومي كونه أحد أهم مكونات الطلب الكلي ومن ثم حفز القطاعات الإنتاجية وغيرها من الإجراءات.
إن موازنات الحكومات العراقية المتعاقبة تعتمد على النفط الذي يمثل الرئة الاقتصادية للنشاط بشكل عام ومع بلوغ قيمة إيراداته الى الآن قرابة ترليون ونصف الترليون دولار تقريبا، وهي إيرادات لم تشهدها الدولة العراقية منذ تأسيسها حتى العام 2003 مجتمعة، لم يكن لها أثر على تحفز النمو الاقتصادي بمعناه الاقتصادي الدقيق، ولم تؤثر على مكوناته بشكل يحسن التنوع الاقتصادي المنشود، بل كانت موازنات تركز على توفير الرواتب والجانب التشغيلي الآخر الذي لا يقود الى تراكم رأسمالي، وحتى الإنفاق الاستثماري على قلته الفعلية لم يحقق الأثر المطلوب. فقد كانت آفة الفساد تلتهم الأموال بشكل كبير مع غياب التخطيط والتنفيذ السليم، وهذا ما تظهره مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي مثلا للعام 2006 نسبة مساهمة الصناعة التحويلية 1.53% وفي العام 2014 التي لم تقر بها الموازنة الحكومية كانت النسبة 1.78 %  وفي العام 2019 كانت 1.60% فأين أثر الموازنة في حضورها وغيابها؟. أما قطاع النقل في عام 2015 فكانت نسبة مساهمته 10.46% بينما في عامي 2018 و2019 كانت النسبة 10.49 %، أما القطاع المعرفي فكانت مساهمته على مدار السنوات صفر %، وأذكر ان الموازنات في مجموعها كانت قريبة من الألف والنصف مليار دولار !!.
وهذا يعني أن لا أثر تنمويا للموازنات الحكومية وكل شيء فيها مختل هيكليا، فالنفط انتاجا وسعراً هو المتحكم بها والرواتب هي الهم الوحيد لتسيير عجلة الاقتصاد المختل هيكليا، وكل هذا لا يستلزم سوى قانون (1/12) المعمول به في حال تأخر إقرارها أو عدمه. حتى قضية العجز المخطط الذي يتناوله الإعلام واللجان البرلمانية في الحقيقة ليس له أثر معتد به كون أغلب السنوات ينتهي بفائض، كما أننا لا نلمس أي أثر للمزاحمة وارتفاع سعر الفائدة في حال لجوء الحكومة للاقتراض الداخلي، وهذا ما تصرح به النظرية، فلا استثمار تراجع عندنا في حالة العجز، ولا حفز في حالة الفائض، والدليل خارطة الناتج المحلي الإجمالي التي من الممكن أن يراجعها الباحث عن أثر الموازنات على النشاط الاقتصادي.  النتيجة أن لا داعي لإثارة الخوف وإسقاط النظرية الاقتصادية على واقع اقتصادنا النفطي المشوه بالفساد والسياسات الفوضوية، فالقوانين الاقتصادية لا تعمل في ظل ذلك.