ياسر المتولي
ألقت الحرب الروسية الاوكرانية المدمرة بظلالها على الاقتصاد العالمي، مما استدعى قيام الدول بإعادة حساباتها وستراتيجياتها للتصدي للآثار الناجمة عن هذه الحرب التي تكاد تكون حرباً عالمية ثالثة إن لم يحتكم العقل لحسمها .
التوقعات السابقة في اجتياح العالم موجة غلاء خصوصاً بالمواد الغذائية جراء موجة الجفاف والتغيرات المناخية بدت تباشيرها تلوح بالأفق تزامنا مع هذه الحرب، وما زاد الطين بلة أن ما يقرب من ثلث انتاج الحبوب في العالم تتقاسمه روسيا واوكرانياً المتحاربتان، فضلا عن ذلك الحصار الاميركي الاوروبي على روسيا مع دمار اوكرانيا سيضاعف من اجور الشحن والنقل، وكذلك سعي وتسابق الدول للحفاظ على خزينها الستراتيجي، وسيضاعف الطلب على الغذاء. كل ذلك مدعاة لارتفاع محتمل وغير مسبوق بأسعار الغذاء العالمي .
هذه الأحداث المتسارعة نبّهت الى مخاطر طارئة محتملة دفعت دول العالم الى استباق الأحداث بإعادة النظر بسياساتها وستراتيجياتها ليست لمواجهة الأخطار المحتملة، وإنما لإيمانها أن لا مناص من الاعتماد قدر الإمكان على قدراتها الذاتية في التصدي للأحداث وتطوراتها .
أين الاقتصاد العراقي من هذه التحديات؟
ففي حين ينهمك العالم بايجاد الحلول لمشكلة الغذاء ونقص التجهيز ينشغل العراق بـ”قوانة” سعر الصرف المشروخة متناسياً او متغاضياً عما يحدث من تطورات وأحداث خطيرة تحدق بالاقتصاد العالمي .
الحاجة تقتضي الاعتماد على مجلس خبراء يضم أكاديميين وخبراء اقتصاد متخصصين من الخارج والداخل لتقديم حلول ستراتيجية وليست آنية او ترقيعية، وعدم الانجرار وراء مصالح ضيقة تتضح في خطاب إعلامي متخلف لا ينقذ العراق من كبوته الاقتصادية .
الوقت مناسب والفرصة سانحة لأن نستثمر الظرف العالمي الحرج لنعيد النظر بخططنا بما يؤمن سياسات اقتصادية حقيقية تقي البلاد من انهيار اقتصادي .
ففوائض عوائد النفط يتعين أن تدار بإدارة رشيدة وبدقة وبأيادٍ أمينة من أجل إعادة نبض الاقتصاد وتعافيه للنأي بالبلاد عن المخاطر الوخيمة التي ستخلفها الحروب ونقص الغذاء .
لنعمل معاً من أجل إعادة بناء وطن أنهكته المشكلات والحروب والخلافات، وعماد هذا البناء اقتصاد متين قادر على تخطي المحن المقبلة .
أكرر الدعوة؛ نحتاج الى اعتماد مجلس اقتصادي (خبراء اقتصاديين) لمعالجة كل التشوهات من أجل النفاذ من المخاطر أسوة بما يقوم به العالم .
هذه هي تباشير النظام الاقتصاد العالمي الجديد التي كنا قد أشرنا اليها في مقالاتنا السابقة وموثقة في كتابي بجزئه الثالث والموسوم (مستقبل الاقتصاد العراقي في ظل التحديات الخارجية والداخلية).
إن فوائض عوائد النفط قد تضر باقتصادنا أكثر اذا ذهبت للانفاق المفرط وعدم استثمار الأموال بما يحقق التنمية، وهنا لا بد أن تكون الأولية للقطاع الزراعي .