ثامر الهيمص
اختلفت قوى سياسية واقتصادية فاعلة في الاقتصاد والمجتمع على ما جاء في الورقة البيضاء، وهذه طبيعة الأمور مع كل جديد، لا سيما نحن مجتمع يختلف بموجب انتماءات عمودية أكثر منها أفقية، حيث ازدهرت الهوية الفرعية على حساب الوطنية، وهذا واقع الحال قبل وبعد 2003، لذا تأتي الورقة البيضاء بروح براغماتية تهتم بالبناء الجديد مباشرة بعد تجاوز العقم في محاربة القديم.
فأهدافها الستة التي تبدأ باعادة تعريف دور الدولة حسب الدستور، وصولا لآخر هدف هو حماية الفئات الهشة في المجتمع، مرورا بلوجستيات أربعة، يفترض أن تخلق بنية تحتية للهدف الأخير وهو حماية الفئات الهشة. فهذه الفئات لها علاقة مباشرة بالأمن القومي وتوفير الاستقرار للاستثمار، كما أنها تصدعت كثيرا من سياسات الأربعين سنة الماضية، ونظرا للوفرة المالية والنمو حسب توقعات البنك الدولي البالغ 9/8 % بفضل النفط والحرب الاوكرانية والكورونا، تصلح هذه الفئات لتكون عملية حمايتها هدفا مركزيا رقم واحد، وباقي فقرات ولوجستيات الاصلاح السياسي والاقتصادي، والذي نقصد من حماية الفئات الهشة هو توفير الخدمات العامة من توفير التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية، كما وردت في ص7 من الورقة البيضاء، كما أن الفئات الهشة ستصبح فئة فاعلة لجانب الصالح العام بعد التغانم والتقاسم الهش سياسيا وأخلاقيا.
فالبطاقة التمونية وحدها معزولة اقتصاديا من حيث التخصيص، اذ تبقى طارئا ومؤقتا، إضافة إلى أنها أي البطاقة التموينية ناقصة لفقر يتراوح بين ربع وثلث السكان، كما أن التموينية يذهب منها الكثير لغير مستحقيها، ولا يفوتنا أن التعليم والصحة تراجعت خدماتيهما كما ونوعا لأسباب لم نألفها، اذ تعومت الخدمتان لتعمق الفقر وتديمه بالتضافر مع كلفة المولدة والاتصالات، بذلك تصبح البطاقة التموينية وحيدة ومهددة من الساحات المالية والاقتصادية، ولذا يكمن سر الهشاشة أمام هذه التوصيفات في الضمان الاجتماعي، تطبيقا لدستور من أن النفط ملك الشعب، من خلال تشريع قانون يترجم الفقرة الخاصة بعائدية النفط.
الضامن البديل ويشكل استدامة للغذاء والدواء والخدمات بجناحيها الصحي والتعليمي والضمان الاجتماعي هو المنتج الزراعي والحيواني والصناعي، حتى لا تكون معاملنا مجرد رافد ثانوي في توفير المواد، وهو أن تكون مواده الخام عراقية من مزارع قصب السكر والبنجر إلى مزارع الشاي في جنوب شرق آسيا، مرورا بمزارع الزيتون وبذور القطن وعباد الشمس، وكذا باقي الصناعات والزراعات بتحديث الأخيرة من خلال جولات تراخيص لتوفير المياه، التي حددتها جغرافية العراق كدولة مصب، لم تستعمل أوراقها المفترضة مع دول المنبع، فالاتراك يقولون إن العراقيين بتخلفهم الزراعي يصرفون ماءً على 300 دونم ما نصرفه لألف دونم رغم أننا دولة منبع.
فالورقة البيضاء تتقدم على الكيانات والمكونات، اذ أدركت الموقف كون غيرها لم يقدم أي ورقة مالية او اقتصادية ولا رؤية الحد الادنى قبل او بعد جميع الدورات الانتخابية، ما يعطيها الأرجحية كونها رؤية واقعية أكثر من كثير رغم نواقصها وليبراليتها .