فتح الاستيراد يُعطِّل الصناعة ويُربك الاقتصاد

اقتصادية 2022/05/09
...

 بغداد: حيدر فليح الربيعي 
تباينت آراء الاقتصاديين بشأن القرار الحكومي القاضي برفع الحظر عن استيراد عدد من المواد الغذائية التي كان يمنع استيرادها لوجود انتاج محلي مشابه يمكن أن يغطي حاجة السوق، فبين معارض يرى أن القرار سيعيق القطاع الصناعي المحلي ويشل قدرة الاقتصاد، وبين مطالب بتعديل "قائمة" المواد التي سمح القرار باستيرادها لتشمل فقط المنتجات الغذائية الستراتيجية والتي لايمكن إنتاجها داخل البلاد، انقسمت أغلب الآراء التي استطلعتها "الصباح".
ورغم الجوانب السلبية الكبيرة للقرار والمتمثلة بشل القطاع الصناعي وتوقف أغلب المشاريع الانتاجية، بيد أن الخطوة الحكومية التي سمحت باستيراد 12 منتجا بضمنها البيض والدجاج "وازنت" في أسعار المواد الغذائية التي شهدت قبل القرار ارتفاعا ملحوظا.
 
ضرر جسيم 
نائب رئيس اتحاد الصناعات العراقي، علي الدخيلي، يرى أن "العوائد الجمركية تشكل أهمية كبيرة في دعم اقتصادات الدول وصناعاتها الوطنية، مع ملاحظة اهمية تقليصها او حتى إلغائها لتجاوز أزمات معينة ومعالجة حالات احتكار في ظروف محددة وفي حقب زمنية بعينها".
وأوضح الدخيلي، أن "الإعفاءات الجمركية الأخيرة التي أقرتها الحكومة بحجة السيطرة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية جاءت بضرر جسيم وألحقت أذى فادحا في الاقتصاد الوطني ينبغي الوقوف عنده وتدخل الجهات القضائية والبرلمانية لإيقافه"، مبينا أن "المتتبع لتلك الاعفاءات يجد أنها استهدفت مواد "كمالية" وسمحت بدخولها من دون رسوم جمركية الى البلاد، بحجة أن ذلك سيسهم بخفض أسعار المواد الغذائية".
 
تدمير الصناعة 
ويشير الدخيلي، الى أن "قرار الاعفاءات بهذه الصيغة والآلية من شأنه أن يدمر الصناعة الوطنية ويفاقم أزمة البطالة داخل البلاد، فضلا عن أنه حرم الموازنة العامة من إيرادات جمركية مهمة كان لها دور كبير في دعم الاقتصاد الوطني"، مبديا في الوقت ذاته، استغرابه من "سماح القرار الحكومي باستيراد مواد غير ضرورية تصنع أغلبها داخل العراق وترك مواد أولية ضرورية أخرى من دون إعفاء جمركي". ودعا نائب رئيس اتحاد الصناعات، الى ضرورة التدخل المباشر من القضاء ومجلس النواب لإعادة النظر في هذه القرارات انصافا للصناعة الوطنية ولاصحاب المعامل والشركات العراقية وللمستثمرين المحليين الذين انفقوا الكثير في إنشاء مصانع داخل البلاد استوعبت العاطلين وحركت الاقتصاد، 
مشددا على أهمية أن "تقتصر تلك الاعفاءات على المواد الغذائية الاساسية فقط لمكافحة ارتفاع الأسعار، وان تكون الاعفاءات لصالح الاقتصاد والمواطن وليس للاضرار بالموازنة العامة وزيادة البطالة".
ولم يبتعد كثيرا استشاري التنمية الصناعية والاستثمار، عامر الجواهري، عن الرأي السابق، حينما أشار الى ان القرار لا يمثل سوى "غياب للرؤية الواضحة الكفيلة بتمكين الانتاج المحلي"، فضلا عن كون الخطوة "معرقلة حقيقة" لأهداف تنويع الاقتصاد وحماية المنتج 
المحلي.  كما يرى الجواهري، أن "كتاب دائرة التقييس في الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية الذي رفع الحظر عن 12 منتجا من الاستيراد، يعطي صورة مخيفة بشأن الضعف الكبير في إيلاء الاهتمام بهكذا موضوعات بالغة الأهمية، وهو 
أمر يؤشر حالة سلبية سيعاني منها الاقتصاد".
 
بيئة الاستثمار 
ورغم الآثار السلبية العديد التي خلفها القرار، غير أن الجواهري يرى أن رفع الحظر عن تلك المنتجات يعكس تكرار القرارات التي تستند الى ظروف آنية وأحيانا تتأثر بأطراف محددة من الأعمال، وكذلك يعكس التسرّع في التعامل مع المشكلات عند حدوثها ويؤشر غيابا تاما للتفاعل بين أصحاب القرار من جهة، والمنتجين والمستثمرين من مختلف قطاعات الأعمال من جهة أخرى، سواء العراقيين او الأجانب، مؤكدا أن "القرار يشكل خطرا حقيقيا على بيئة الاستثمار لكونه يؤشر عدم تمكين وحماية ودعم أصحاب الأعمال".
 
النشاطات الانتاجيَّة 
وأوضح مستشار التنمية الصناعية، أن "القرار يبين عدم فاعلية وتناغم إدارة الملف الاقتصادي لتحريك اقتصاد البلد والقطاع الخاص، وبأن أصحاب القرار بعيدون عن التواصل والاستئناس بآراء أصحاب المصلحة من المنتجين والمستثمرين"، مشيرا في الوقت ذاته، الى أن "رفع الحظر يؤكد تكرار القرارات المستعجلة والانفعالية وبما يؤدي الى إحداث الضرر على مستقبل تطوير النشاطات الانتاجية".
وحث الجواهري، على ضرورة "إعادة النظر بالخطط التنموية وتطوير وتوسيع مجلس القطاع الخاص وتمثيل مؤسسات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني الرصينة في المجلس الوزاري للاقتصاد بعد إعادة النظر بتشكيله ليكون هو صاحب الرؤية والتمهيد للقرارات التنموية والستراتيجية والاقتصادية".
 
تسريح العمال
بدوره، أوضح وسام الزيدي، أحد أصحاب المصانع الانتاجية، أن القرار الحكومي أدى الى تراجع انتاج مصنعه بنسبة 50% وتسبب بخسائر فادحة دفعته الى الاستغناء عن عشرات العاملين، مؤكدا توقف العديد من المصانع العراقية لعدم قدرتها على التنافس مع المنتج المستورد. كما أبدى علي المندلاوي، وهو صاحب معمل انتاجي أيضا، استغرابه من السماح باستيراد مواد غذائية تمكن العراق من سد حاجة السوق منها، لا سيما المرطبات والعصائر والمياه المعدنية والبيض، مشيرا الى أن السوق العراقية بحاجة الى تصفير التعرفة الجمركية على المنتجات الغذائية الستراتيجية مثل الحنطة والرز لتلبية الاحتياجات الداخلية، وليس على المنتجات التي يمكن تصنيعها محليا.