عبدالزهرة محمد الهنداوي
تعد عملية الدفع الالكتروني أحد تمظهرات الاقتصاد الحديث، في أغلب بلدان العالم، اذ لم يعد الناس بحاجة إلى حمل الأموال في حقائبهم او اكتنازها في بيوتهم، ما قد يعرضها للسرقة أو الحريق، فضلا عن تعطيل وتحجبم فاعليتها التنموية، ودورتها الاقتصادية، وأصبحت عملية الدفع الكترونيا هي السائدة، عبر الكثير من الآليات والتقنيات الحديثة، وباتت جميع التعاملات التجارية، صغرت ام كبرت، تجري عبر هذه الآليات. يحدث هذا حتى في بلدان تعد فقيرة ومتخلفة، ففي كينيا مثلا، الدولة الإفريقية الغارقة في الفقر، والتي تفتقر لوجود الأرصفة لشوارعها، يتعامل مواطنوها بالدفع الالكتروني، في كل شيء، فهم يضعون أرصدتهم المتواضعة، في حقائب مالية في هواتفهم النقالة، وعندما يشتري الشخص، باقة كرفس مثلا، فإنه يقوم بتحويل ثمنها من هاتفه إلى هاتف بائع الخضرة مباشرة، اذ لكل منهما حسابا الكترونيا.
وفي الحديث عن الدفع الالكتروني في العراق، فإن ثمة خطوات مهمة جرت منذ عام 2013 وحتى الآن، ولكن في المقابل ما زلنا لم نصل إلى مرحلة الاستغناء عن حمل الأموال في الجيوب، فإذا أخذنا على سبيل المثال، قضية توطين الرواتب الكترونيا، فإن الوقائع تشير إلى نجاحها في الكثير من المفاصل، من قبيل تحريك عجلة قطاعات تنموية من خلال اسهامها في توفير الكثير من فرص العمل، كما أنها دعمت العديد من المصارف، التي استطاعت في النهاية من تحسين مستوى خدماتها المصرفية المقدمة لزبائنها، ولكن في المقابل، فإننا أصبحنا نشاهد طوابير الموظفين، وبدلا من أن يقفوا أمام المحاسب عندما كانوا يتسلمون رواتبهم يدويا، نراهم اليوم يقفون بطوابير طويلة، امام الصرّافات الآلية، لسحب رواتبهم من دون أن يتركوا فلسا واحدا في أرصدتهم.
الأمر الذي يؤدي إلى عطل تلك الاجهزة، او نفاد الأموال في الصرّاف، نتيجة الضغط، اما لماذا يلجأ الموظفون إلى ذلك، فإن الاجابة ببساطة، إن حياتنا ما زالت يدوية في جميع تفاصيلها، فأنا وأنت وهو مضطرون لدفع أجور المولدة والانترنت وايجار البيت، والتبضع، وشراء الملابس والفواكه، وكل شيء، عدّا ونقدا، وقد تكون هناك بعض الاستثناءات والتجارب التي تمثل قصص نجاح مهمة في مجال الدفع الالكتروني، إلا أنها ما زالت دون مستوى الطموح، ولا تعكس حجم الكتلة النقدية الهائلة المتداولة في المشهد الاقتصادي والتجاري، وهنا يمكن العمل على أتمتة عمليات الدفع والتبادلات التجارية، بنحو أكثر شمولا، في إطار توسيع عمليات الشمول المالي، ويمكن أن تبدأ عمليات الدفع الالكتروني، من مؤسسات الدولة، التي تقدم خدماتها للمواطنين.
صحيح أن عددا غير قليل من تلك المؤسسات نحت منحى أتمتة خدماتها، ولكن ما زالت غير مكتملة، إذ ما زلنا بحاجة إلى الكثير من الثقة المتبادلة بين طرفي المعادلة، مقدم الخدمة، والمستفيد منها، وهذه تتطلب عمليات تثقيف وتوعية واسعة النطاق، تتخللها مغريات ومحفزات تشجيعية للناس، من أجل زيادة الإقبال عليها، كما أننا بحاجة إلى بنى تحتية متكاملة، تلبي متطلبات هذه العملية، ذات الأهمية الفائقة، ذلك أن عمليات الدفع الالكتروني من شأنها أن تسهم في اختصار الوقت والجهد، وحتى تخفيف الازدحامات في الشوارع، فيوميا هناك مئات الآلاف من المواطنين الذين يراجعون مؤسسات الدولة، كل هؤلاء لن يكونوا بحاجة الى المراجعة، اذا ما تمت اتمتة جميع العمليات، بدءًا من تقديم المعاملات وصولا الى دفع الرسوم والمستحقات المالية الكترونيا.